وجدت لتبقى
تشرق شمس اليوم على «الدستور» وقد دخلت ، عامها الخمسين، وقد ، كانت فيها الصحيفة ولا تزال، صوت المستضعفين، في هذه الدنيا، ومرآة للبلد وقضاياه، صحيفة عربية اردنية، تعد من كبريات وامهات الصحف العربية، ومن العشر الاكثر تأثيرا وذكرا وسط عشرات الصحف العربية، شاء من شاء، وابى من ابى. قصة كل واحد فينا الشخصية، على مستوى مهنة المتاعب، هي بعض قصة الدستور، فلا احد فينا، له موقع في الاعراب لولاها، فقد صنعت اسماء صحفية، وفوق ذلك، بقيت صانعة للرأي العام، بوصلة، في قضايا الناس ومشاكلهم، وقلبا وطنيا يفيض ايضا بعروبته، دون ان تفتقد معاييرها الحرفية والمهنية، ولا قدرتها على التطور يوما بعد يوم. بعض الصحف تولد لتموت، وبعض الصحف، تولد لتبقى، وانت لاتعرف سوى تاريخ ميلاد الصحيفة، لكنك لاتعرف تاريخ النهاية. لكنك تتوسم. تقرأ غامض الغضب، مثلما يقرأ الناس وجوه المواليد الجدد فيقولون هذا سيكون ذكيا، وذاك لن يعيش طويلا، واحسب الدستور، من تلك الصحف التي وجدت لتبقى، فقد عبرت مخاضات صعبة، وتغلبت على عثرات، وتجاوزت ازمات كثيرة، سياسية ومالية، ولم تستسلم روحها، ببساطة امام المصاعب، فروحها من روح الناس، وروح من يعمل فيها. لاشيء يثير الجنون، مثلما ترى وانت ابن الصحافة، بيتا من البيوت، يفرش الصحيفة ليتناول الطعام عليها، او يمسح الزجاج، بورق ثمنه دم العاملين، لانك تعرف ان وراء هذه الصفحات خلايا نحل لاتنام، فتتذكر وانت تنظر اهانة العرب للحرف، في استعمالات الصحف احيانا، كل عمليات انتاج الصحيفة، من تعب الصحفيين ورئيس التحرير، الى المحررين والمصورين الصحفيين ورسامي الكاريكتير، مرورا بالمدراء والكتاب الصحفيين، والمدققين اللغويين، والمخرجين والمنفذين، والفنيين في المطابع، وموزعي الصحيفة مع اطلالة الفجر، وكل الفرق المساندة دون ان نستثني من يعملون على مقسم الهاتف وغيرهم في الاقسام الادارية والمالية والاعلانات والاشتراكات والعلاقات العامة. جيش يعمل بروح واحدة، يبدأ في الثامنة صباحا، وكل فريق يسلم فريقا اخرا بقية المهمات، ولاتهدأ الصحف، طوال اربعة وعشرين ساعة، فتعرف ان هذا ليس مجرد ورق.روح في ورق. فتحض الناس، على احترام الحرف، فوق تذكرهم مابين الحروف من اسماء الله، واياته، التي لايجوز مسها او اهانتها. منحتنا «الدستور» كلنا، مكانا تحت الشمس، قبل الوظيفة والراتب، اغلبنا كان مبنيا للمجهول، فبات مبنيا للمعلوم، ولا اظن ان الحبل السري بين الصحافي وصحيفته، هش وضعيف، لكنها مكانة مشروطة بمسؤوليات، ومصداقية، وايمان بأن المهنة رسالة حقا، وليس مجرد تحبير على ورق. بقية مقال ماهر ابو طير المنشور على الصحة اخيرة الجزء الاول صحيفة مثل «الدستور» بقيت تستسقي فينا المهنة، وفي الاف المرات، صنعنا الحدث مع بعضنا البعض، فكان الصحافيون في مواقع الحروب والاحداث، في مؤتمرات الرؤساء والزعماء، في بيوت الفقراء والمساكين، كانت ومازالت صوت من لاصوت له، سلاح كل مستضعف ومظلوم، وتعددية الاراء فيها، سمة اساسية، فأنت امام مذاقات مختلفة، يكاد كل مذاق ان يشتبك مع الاخر، تحت سقف القواعد الاخلاقية التي تنظم المهنة، وسمتها الاساس، حريتها وسقفها، دون ابتذال او رخص. بقيت الصحيفة تقول ان القدس لاتغيب، ولربما هي اكثر الصحف، ذكرا للقدس في حروفها وصورها، ورسم قبة الصخرة في شعارها، هذا فوق ان كل ارشيفها يشهد ان للقدس حضورا خاصا، ولربما ولادتها لحظة اندماج صحيفتين مقدسيتين عام 1967، وقبل الحرب الكارثية بثلاثة شهور، كانت تقول ان هذه الصحيفة الاردنية الوطنية، بنبضها، وحسها، واولوياتها، وفية للقدس، وفاء العرب، لما يخصهم، ووفاء الاردنيين لما يرتبط بهم وجدانيا، عبر مئات السنين ايضا. في هذه المهنة لنا اباء كبار، وليس اسوأ من الصحفي، الذي ينكر من علموه، ومن خصوه بحسنى المعاملة او بخبرة سبوقه فيها، او منحوه مساحة مهنية، ومثلي مثل غيري، لي اباء في هذه المهنة، كلهم من هذه المدرسة، التي تخرج منها الكثيرون، وبقي فخرهم ساطعا، لانهم من «الدستور»، فنترحم على الراحلين منهم، وندعو لمن هو بيننا، فلا كبيرة من كبائر المهنة، مثل العقوق. الصحف مثل الزيتون، قد تكبر، وقد تتعب، وقد تمرض، لكنها لاتشيخ، ولا ترحل، مادامت روحها صلبة مقاتلة، مثل روح القدس، وأرواح الاباء المؤسسين فيها، وروح جعفر سيد الكرك، الذي يقول لنا كلنا، ان علينا ان لانتراجع، ولا نتعب، ولا نلقي الرايات من ايدينا مهما كان ومهما حصل. وجدت لتبقى، هذا حسن ظننا بالله اولا وآخراً.
(الدستور 2016-03-28)