تحرير تدمر: فاصل.. ونواصل
لا يُقلِّل من أهمية تحرير «عُقدة» المواصلات الاستراتيجية وعاصمة الملكة زنوبيا... تدمر، سوى الذين أُسْقِط في ايديهم، بعد ان ظنوا ان «داعش» اخطبوط وديناصور «حيّ» قادر على امتصاص الهجمات والرد على محاولات دحره, باساليب اكثر وحشية وابتكاراً في «الإقدام» والاقتحام، فإذا به يسقط في «أول» اختبار حقيقي، كون مدينة تدمر كانت مُحصّنة وذات خطوط دفاعية وكتائب من الانتحاريين والسيارات المفخخة, فضلاً عن الاحتماء بسكان المدينة دروعاً بشرية، فإذا بقادته يُهرِّبون عائلاتهم ويُبقُون على انفسهم في اقصى شرق المدينة, استعداداً لمغادرتها نحو دير الزور والرقة والسُخنة, إذا ما انكسرت قواتهم ودخلت طلائع الجيش السوري والقوات الحليفة مركز المدينة السكنية، بعد ان كانت حرّرَت المدينة الاثرية التي لم تسلم من تخريب الارهابيين, حتى قبل اندحارهم ,عندما فجّْروا(يوم السبت) مُدرجاتها واقواسها التاريخية وزرعوا في اروقتها المتفجرات والعبوات الناسفة.
ما علينا..
تحرير تدمر هو الخطوة الاولى والاساسية في معركة دحر داعش والإطباق عليه، ولن تكون المعارك المُقبِلة اقل ضراوة من تلك التي امتدت لثلاثة اسابيع من المواجهات الاعنف والتي تُوّجت في النهاية باستعادة تدمر، كون كل المواجهات «السابقة» مع داعش كانت اقرب الى المناوشات ومعارك الكرِّ والفر, منها الى معارك ذات بعد استراتيجي وخصوصاً أنها عقدة مواصلات «مثلثة» تربط ريف شرق حمص (التي هي جزء منه) مع الشمال الشرقي لسوريا وخصوصاً دير الزور ثم لاحقاً والأهم أنها ترتبط بطريق لوجستي مهم يربطها مع عاصمة «الدولة الاسلامية» في الرقة, ما يجعل خسارتها ضربة موجعة لداعش الذي سيضطر الان الى إعادة النظر في كل استراتيجياته التي كانت مبنية في الاساس على وهم ان تدمر «لن تسقط» وان الجيش السوري سيُفكِّر «ألف» مرة ,قبل ان يُقدِم على تحرير المدينة الاثرية, كونها «كعب أخيل» خاصته، في الوقت ذاته الذي تجاهل فيه داعش حقيقة انه قد دمّر الجزء الاكبر من المدينة الاثرية، ولو اسعفه الوقت (خلال المعركة الاخيرة) لكان قد أجهز على ما تبقى منها، واحالها خراباً صفصفاً, كما فعل في اماكن تاريخية عديدة, في سوريا ذاتها وخصوصاً في العراق.
ثم..
إن تحرير تدمريؤشِر,ضمن أمور أخرى, الى «االنفاق» الاميركي وعدم جدية واشنطن في محاربة الارهاب, عندما خرج علينا اركان الادارة الاميركية وعلى رأسهم اوباما نفسه, ليقولوا لنا بعد سقوط الموصل قبل نحو عامين من الان (10 حزيران 2014) وخصوصاً بعد الاعلان عن قيام التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في ايلول العام ذاته: ان المعركة ضد داعش ستكون طويلة وقد تمتد الى «عشرة» اعوام.
صحّ النوم اذاً... فانتظار سنوات عشر لهزيمة اكثر التنظيمات الارهابية وحشية ونمواً وجذباً للتطرف وتوفراً على الاموال, يعني توفير المزيد من الفرص امامه لينمو ويكبر.. افقياً وعامودياً, ولتصبح دولته حقيقة يصعب تجاوزها, ودائماً في التلويح به لاسقاط المزيد من الانظمة, أو نشر الفوضى والفلتان الامني فيها وتحويلها تدريجياً الى دول فاشلة تمهيداً لرسم خرائط جديدة للمنطقة, لم تكن اقتراحات كيري (المُبكرة جداً) حول تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات, وتالياً ما قاله اكثر من مسؤول اميركي واوروبي حول «الفيدرالية» في سوريا, سوى كشف «أولي» عما يُراد للمنطقة وشعوبها أن يكونوا عليه في السنوات العتيدة تلك (السنوات الاميركية»العشر» المُقترَحة... لدحر داعش)..
هذا الانجاز النوعي والاستراتيجي للجيش العربي السوري والقوات الرديفة, يكشف بوضوح الكيفية التي يمكن لأي تحالف «جدي» ان يهزم داعش, والذي لطالما استُبعِد منه الجيش السوري, بذريعة أن ذلك يمنح النظام ورئيسه «شرعية» وكأن شرعية أي نظام, رهن برضى هذه العاصمة او تلك, ولم تكن كوبا أو فنزويلا وحتى كوريا الشمالية, دع عنك ايران ودول عديدة في حاجة الى «شرعية» للاستمرار عقوداً طويلة دون ان تنجح واشنطن (أو غيرها) في الحؤول دون وجودها في الامم المتحدة أو في نسج علاقات متعددة مع معظم دول العالم.
هزيمة داعش لا تحتاج الى عشر سنوات ولا حتى الى خمس منها, ومعركة دير الزور الوشيكة, وربما تلك المُتّجهة صوب الرقة, ستكشف كم أن تحالف دمشق – موسكو وباقي القوى الحليفة المنخرطة في معركة دحر الجماعات الارهابية متعددة الولاءات والمرجعيات والتمويل والرعاية, كان جاداً وصادقاً في هذه المواجهة المصيرية,التي تلكأ الاخرون أو ناوروا للتملّص من خوضها, ولمواصلة ابتزازهم ورفع منسوب الخوف واليأس لدى الجمهور العربي وتوفير رياح جديدة لأشرعة الكراهية والتحريض ضد العروبة والاسلام الحقيقي.
(الرأي 2016-03-28)