أوباما مودعاً.. من بلاد كاسترو إلى وطن غيفارا !
بدأ العد التنازلي لزمن الرئيس اوباما ، مع اقتراب موعد مغادرته البيت الابيض. وبهذه المناسبة نعترف بخصوصية عصر اوباما، ويجب أن لا نتجاهل قدرة أول رئيس اسود على الخروج عن النص الذي تحدده الماكينة الاميركية وتفرضه على الادارات المتعاقبة ، ويمكن أن نشير ايضا الى قدرته على القيام باختراق مهم على صعيد ثوابت السياسة الخارجية ، وفرض سياسة الاحتواء الناعم ، وهوالنهج الذي اعتمده الرئيس اوباما خلال التعامل مع الازمة مع كوبا وحل مسألة الملف النووي الايراني المعقدة والصعبة للغاية.
الرئيس اوباما كان مختلفا في سياسته ونهجه وفكره وقناعاته، ولكنه لم يكن عظيما بالمقياس التاريخي لرؤساء الولايات المتحدة ، لأن الاميركيين يعتبرون أن الرئيس ايزنهاور هو آخر رؤساء الحزب الجمهوري الكبار، وأن جون كنيدي هو آخر رئيس ديمقراطي تاريخي، وهي مقولة مقبولة ومقنعة أمام ما نراه في الصراع الجاري بين المرشحين الحاليين للرئاسة الاميركية, الذين حولوا الساحة الانتخابية الى ما يشبه السيرك.
في مراحل عهده اعتقدنا لوهلة، أنه الرئيس الضعيف، بل الاضعف، في تاريخ الرئاسة الاميركية، ولكن في ختام عهده حقق انجازات كبيرة انسجمت مع برنامجه وقناعاته ، ذكرتنا بوعد التغيير الذي اطلقه في حملته الانتخابية ، وفي المقدمة نجاحه في اقرار برنامجه للتأمين الصحي، وحل الازمات مع الدول والشعوب بالحل السياسي وعبر الحوار الدبلوماسي لا بالعمل العسكري.
وبمناسبة جولته الوداعية الاخيرة ، التي امتدت من هافانا بلد الرئيس كاسترو ، الى الارجنتين مسقط رأس الثائر الاممي تشي غيفارا ، اثبت اوباما جدوى قناعته واصراره على التعامل مع القضايا الخلافية مع الدول الاخرى بالاحتواء الناعم ، وحل الازمات بلا عسكر وضحايا ودماء ، وبالطبع هو النهح الاسلم والاجدى، الا أن الرئيس الاميركي قد يشعر بالمرارة لفشله بتحقيق حل الدولتين وانهاء الصراع العربي الاسرائيلي ، بسبب تعنت نتنياهو وموقفه العدائي الشخصي المعلن، وبسبب ضعف الدور العربي وغياب الدعم العربي الحقيقي الضاغط ، وربما انشغال الانظمة العربية بالحروب الاهلية في اكثر من بلد عربي.
الحقيقة أن ليس لدينا اية اوهام حول موقف رؤساء الولايات المتحدة واداراتهم المتعاقبة بالنسبة للقضية الفلسطينية ، فهم في سباق محموم دائم على اعلان عشقهم لاسرائيل والالتزام بامنها ، في غياب العدالة الكونية ، وبالعكس ، قد يكون من ثوابت سياسة الولايات المتحدة وموقفها الازلي ، عدم حل قضية الشعب الفلسطيني ، لأسباب تتعلق بنفوذ اللوبي الصهيوني ، وكذلك الخروج العربي الفعلي من ساحة الصراع مع اسرائيل.
بهذه المناسبة ايضا ، من الواجب أن لا ننسى ، او نتجاهل ، موقف الرئيس اوباما ودفاعه عن الاتفاق النووي مع ايران وقبوله ، رغم الحملة الضاغطة المعادية ، اضافة الى تراجعه عن التدخل العسكري في الصراع داخل سوريا ، وهو القرار الذي ينسجم مع نهجه بعدم ارسال جيوشه للقتال في الخارج ، على طريقة غزو افغانستان والعراق. ولكن لا أحد يضمن استمرار هذا النهج بعد خروج اوباما من البيت الابيض .
(الرأي 2016-03-28)