خطاب الكراهية
في الحقبة الباردة كان العالم يعيش حالة صراع بين قوتين كبيرتين على أساس أيديولوجي وسياسي، لكن الخطاب الديني المتطرف الآن يحاول أن يكرس صورة أخرى جديدة لهذا الصراع.
السؤال المزدوج الذي يفرض نفسه علينا وعليهم بعد تصاعد حدة الخطاب الديني المتطرف والمعادي للآخر المختلف، هو لماذا يريد أصحاب هذا الخطاب أن نكرههم وأن يكرهونا. في هذا السؤال ثمة معضلة قديمة- جديدة، على مستوى العلاقة بيننا وبينهم، كنا نعتقد أن الإنجازات المذهلة والمتسارعة، التي حققتها وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة سوف تلغي الفوارق والحدود بين الثقافات والمجتمعات الإنسانية، وتزيد من فرص الانفتاح والتمازج في ما بينها، بصورة تتحقق معها حالة من التفاعل الإنساني البناء.
لكن الذي حدث كان عكس ذلك تماما، فقد زادت حالة العداء والكراهية والانغلاق على الذات، وتحول الآخر المختلف إلى خطر يتهدد الوجود، وكأننا أمام نزعة عنصرية جديدة، تسعى إلى خلق جيتوات ثقافية وسياسية، في محاولة لإعادة رسم خارطة العالم والعلاقات البشرية، على الرغم من استحالة تحقق ذلك، في عالم لم يعد ممكنا فيه العيش داخل أسوار عالية.
في الحقبة الباردة كان العالم يعيش حالة صراع بين قوتين كبيرتين على أساس أيديولوجي وسياسي، لكن الخطاب الديني المتطرف الآن يحاول أن يكرس صورة أخرى جديدة لهذا الصراع، على أساس ديني متطرف، وكأن العالم لا يمكنه أن يعيش خارج دائرة الاستقطاب والصراع والثنائيات المتقابلة، التي تفترض وجود الآخر العدو، وليس الشريك في ميراث هذا العالم.
قد يرى البعض في ما يحدث على هذا المستوى أنه صراع هويات قاتلة، يشترك الجميع في تغذيته عبر تسعير خطاب الكراهية والعداء للآخر المختلف، لكن الحقيقة أن هذه الموجة بدأت مع توظيف أميركا وحلفائها في المنطقة للدين أثناء محاربة الغزو السوفياتي لأفغانستان، وهو ما ساهم في ظهور تنظيم القاعدة، الذي انقلب عليها، في حين أن الغزو الأميركي للعراق قد أدى لظهور الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي هيأت لظهور تنظيم داعش الإرهابي. كما أن تخلي العالم عن مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية تجاه جرائم نظام الأسد قد ساهم في تشجيع التطرف، واستقطاب الحركات الجهادية المتطرفة في المنطقة والعالم.
إن الحديث عن مسؤولية الغرب لا يعني تغييب مسؤوليتنا عن هذه الظاهرة، فقد كان للاستبداد السياسي وفشل مشروع الحداثة السياسية والثقافية عربيا، والوفرة المالية التي أمنتها الطفرة النفطية لبعض الجماعات الخليجية، والتوظيف السياسي للدين من قبل السلطات العربية دوره في نشوء هذه الظاهرة.
إن غياب العدالة والندية في العلاقات الدولية، واحترام ثقافات الشعوب وحقها في الحرية وتقرير مصيرها، هما في صلب المشكلة، ما يتطلب إعادة صياغة جديدة للعلاقات الدولية على أساس متوازن، تنتفي فيه نزعة الهيمنة، والبحث عن وكلاء محليين من الحكام المستبدين لهم في المنطقة.
(العرب اللندنية 2016-03-29)