استدعاءات قبل كل حكومة جديدة
كلنا يعرف الاستدعاء الذي يكتب فيه المظلوم او المسكين او الفقير مظلمته او طلبه لمن لديه سلطة او قرار لانصافه، واغلب شعوب العالم العربي، تكتب الاستدعاءات، وما من واحد فينا، الا وكان من نصيبه استدعاء او اكثر، بطوابع او بدون!. الاستدعاء موروث تركي، وكان يسمى «عرض حال» حيث كان المواطن العثماني يرفع معروضه او مظلمته او طلبه الى الوالي او الخليفة او من يمثلهما في تلك المنطقة، ويشرح قصته او معاناته، فيتم الرد عليه، مرات بالاستجابة، ومرات بالاهمال، وأحيانا بالركل والتأديب. موروث الاستدعاء ما زال مسيطرا علينا، لكننا امام نوع جديد من الاستدعاءات لولي الأمر، فكلما اقترب موعد تشكيل حكومة جديدة في الاردن، نشهد صحوة مفاجأة لكثيرين من غيابهم او سباتهم او تواريهم طوعا في الظلال، فتنهمر علينا استدعاءات هؤلاء العلنية، للتذكير بوجودهم، لعل أحدهم يصبح رئيسا للحكومة أو وزيرا. اشكال الاستدعاء السياسي هنا، متنوعة، مقال، مقابلة، ندوة، رعاية مؤتمر، وصفات سياسية، حلول اقتصادية، مقابلة تلفزيونية، بوست ساخن على الفيس بوك، تغريدة دون تغريد عبر التويتر، مشاركة في زفاف، عزاء، زيارة بيت فقراء، والاستدعاءات تتلون وفقا للمرحلة، لكننا نشهد قبيل كل حكومة جديدة، هذه الظاهرة، اي ظاهرة الإبراق لولي الأمر، عبر التذكير بالشخص، فيهل علينا عبقريا فاتحا محللا، بيده كل الحلول. في مرات تلوم السياسيين على اضطرارهم لابراق الاستدعاءات على الهواء مباشرة لاصحاب القرار، لعلهم يتذكرون فلانا او علانا، وكأنهم يقرون هنا، ان لا احد يتذكرهم اذا لم يقفزوا الى الواجهة بأي مشاركة من اي نوع ما، وفي مرات لاتلوم السياسيين، فهم يعانون من الهجر وغياب الضوء، ويضطرون لغياب المؤسسية التذكير بأنفسهم عبر مشاركات عبقرية تتنزل علينا فجأة بعد طول غياب. استثني من هذا الكلام اولئك الذين يواصلون طوال العام، نشاطاتهم بشكل معتدل ومقبول، فهؤلاء لا يتذكرون وجودهم ودورهم قبيل المواقيت السياسية المهمة، مثل تشكيل الحكومات، ويضعون لأنفسهم خطة طبيعية متصلة، غير مرتبطة بالمواقيت. لكنك تسأل في عام الفين وستة عشر سؤالا واحدا، ماذا لدى اصحاب الاستدعاءات غير العموميات؟، وهل رأينا واحدا فقط يبرق في الاستدعاء المكتوب او المسموع او المتلفز، خطة تفصيلية لرؤيته تجعله يستحق ان يكون مطروحا بين اسماء عدة لتولي رئاسة الحكومة او اي وزارة؟!. ثم ان علينا ان نذكر اصحاب الاستدعاءات، بحقيقة مهمة جدا يعرفونها جيدا، اذ إن الاختيار يتم لاعتبارات تكون في حالات كثيرة غير متوقعة، فالقصة ليست مجرد التذكير بالاسم والرسم، لكنها اعمق من ذلك بكثير، وفي حياتنا السياسية، كثيرا ما يرسي العطاء على احدهم لسبب غير مهم او لسبب غير متوقع، مثلما يمضي بعضنا الوقت في توقع الرئيس من اليمين فيأتينا من اليسار، او العكس صحيح. مخجلة ظاهرة الاستدعاءات السياسية، وهي ببساطة مجرد طلب لوظيفة عليا، في زمن تعب فيه شعبنا من كل هذه الاستعراضات، ومن كل هذه الطموحات، ولا يريد سوى ان يعيش....يعيش فقط!.
(الدستور 2016-03-29)