هل يُغيّر «الصدر» قواعدَ اللعبة.. في العراق؟
تتدحرج الأوضاع المُتدهوِرة في العراق والصراع بين الكتل السياسية في شكل متسارع، يُنذر بحدوث مواجهات لا يعلم أحد المدى الذي ستصل اليه, وبخاصة ان الاحتقان بلغ ذروته حتى داخل التحالفات «المتجانسة» ان جاز القول, كـَ»التحالف الوطني» الذي قام في الأساس على أُسس طائفية ومذهبية، يندرج في اطاره حزب الدعوة(إئتلاف دولة القانون) بزعامة نوري المالكي الذي «اعتزل» العمل السياسي بمعنى اعتزال «المنصب» ، والذي يُشكِّل رئيس الحكومة حيدر العِبادي ركناً من أركانه, فضلاً من المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم والتيار الصدري بالطبع وكتلة بدر برئاسة هادي العامري.. ما يعني ان استمرار ضغط التيار الصدري الذي اقترب من نقطة الصدام بعد ان «اقتحم» المنطقة الخضراء «وحده» تاركاً انصاره في محيطها، طالباً منهم البقاء في حال يقظة وانتظار تعليماته، قد تُفضي إلى فوضى كاملة، إذا ما لجأ العِبادي إلى القوة لفض الاعتصام الصدري كونه(والمالكي) يتهمانه بمخالفة القانون والدستور.
إذا ما مضى الصدر قُدُماً في رفض اي تسوية وبقي مُصِّراً على تشكيل حكومة تكنوقراط (بدون محاصصة) كمقدمة أو اشارة إلى رغبة العِبادي في الاصلاح السياسي الذي يُطالب به، فإن من غير المستبعد أنْ يعتذر العِبادي عن «وظيفته» ويعلن استقالته في محاولة منه لتشكيل ضغط «مُماثل» على الصدر لفك اعتصام انصاره والحؤول دونهم واقتحام المنطقة الخضراء، هذا الاقتحام – إذا ما تم – فإنه سيكون مثابة «انقلاب» حقيقي في موازين القوى كما في التحالفات, والذي سيكون التحالف الوطني ذاته المرشح هو الآخر للانفراط.. ضحيتها الأولى ، حتى لو تم التوصل إلى تسوية ما في شأن مطالب الصدر أو في تصديق «وعود» العِبادي بالاصلاح السياسي, الذي يبدو في نظره–حتى الآن –مجرد تبديل في الأسماء، ليحل بدلاء «تكنوقراط» مكان الوزراء الذين رشحتهم احزابهم الطائفية والمذهبية والعرقية (سُنّة، شيعة، وكرد) وهو ما تجلى في طلب العِبادي من الاحزاب المشاركة أو المتحاصصة في حكومته, ترشيح «بدلاء» عن الذين يشغلون الحقائب الراهنة.
فهل ثمة امل بالخروج من أزمة خطيرة كهذه، تأخذ طابع كسر العظم، وتمنح التيار الصدري وخصوصاً زعيمه فرصة لاستعادة نفوذه ودوره في مرحلة جديدة ولكن عاصفة، يستعد العراق لعبورها، بعد ان وصلت الاوضاع في المنطقة درجة غير مسبوقة من السيولة والخطورة، تستدعي جراحة دقيقة، ترى قوى اقليمية ودولية ان الجدل والسجالات حول معركة تحرير الموصل، يُشكِلان فرصة لاستثمارها سياسياً, عبر ترويض عدد من المكونات السياسية، أو خلط الاوراق، أو التمهيد لوضع خطط التقسيم موضع التنفيذ، قد يكون الاستفتاء في شمال العراق (اقليم كردستان) جزءاً من هذا السيناريو، الذي ليس بالضرورة ان يأخذ طابع التنفيذ الفوري، اقله في انتظار اعادة ترتيب المنطقة, ومعرفة قدرات وحدود الاختلالات المتوقعة في موازين القوى, والادوار المقترحة لقوى ودولٍ اقليمية (مركزية) ان تلعبها؟
ثمة إذا ما يمكن رصده في «حركة» الصدر الاخيرة التي خلطت الأوراق، وأربكت الحلفاء وتركت الخصوم في موقع المراقبة والحذر، لأن احداً لا يُصدق ان مجرد تغيير أو تعديل وزاري على حكومة العِبادي (او الاتيان بغيره) يمكن ان تشكل معبراً لما يسمى الاصلاح السياسي، فضلاً عن ان الازمات التي تعصف بالعراق والعراقيين، تكاد تكون – بل هي كذلك – اهم بكثير من الاصلاح السياسي, إذا ما اريد له ان يكون مجرد تغيير في الاسماء ومن داخل الكتل السياسية والحزبية نفسها التي تتقاسم «الكعكة»، فالأساس في الاصلاح السياسي كما يفهمه أي مبتدئ في العمل السياسي, يبدأ بإلغاء مبدأ المحاصصة اصلاً، على أي قواعد قامت, سواء طائفية ام مذهبية ام عرقية ام جندرية، وهو ما درج عليه «العراق الجديد» بعد الغزو الاميركي البريطاني الذي لم يغادرها (المحاصصة).. قادته, رغم الوعود الكثيرة ورغم رحيل الاحتلال الاميركي، الاّ ان القاعدة الثانية والأخطر بقيت كذلك مع داء المحاصصة, ونقصد بها سياسات التهميش والالغاء والاجتثاث والتمييز والتي اسهمت - وما تزال - في شرخ العراق وتصدع بناه وتحوله إلى دولة فاشلة بامتياز.
ما بالك ان الحرائق المشتعلة في العراق وعلى تخومه (خصوصاً في سوريا) فضلاً عن الاستقطاب الدولي والاقليمي, تسمح بإبقاء العراق رهينة الانقسام والتشتت والفوضى، فضلاً عما يُشكله داعش واحتلال نينوى من فرصة لابتزاز العراق و»الرقص» على انقساماته الافقية والعامودية.
واذا ما اضفنا إلى ذلك بؤس الأوضاع الاقتصادية وفشل الحكومات المُتعاقبة في توفير الخدمات الاساسية للشعب العراقي، وتواصل «مأسسة الفساد» والترهل الاداري, فأننا نكون أمام لعبة رثة وبائسة لن ينجح احد في تغيير قواعدها الاّ إذا حدثت معجزة.. قد يحملها الخميس القريب «بعد غدٍ»..إذا ما قَدّم العِبادي حكومته العتيدة على ما «أنذره» مجلس النواب العراقي..يوم أمس.
(الرأي 2016-03-29)