جديد نصر اللـه في حوار بساعتين ونصف الساعة
من النادر أن يعطي زعيم سياسي حوارا لمدة ساعتين ونصف الساعة، فهذا زمن طويل جدا، حتى لو كان المعني هو زعيم أكبر قوة في العالم، ووضع عنوان “حوار العام” في قناة الميادين مع نصر الله لا يغير في هذه الحقيقة، فهو لم يكن غائبا طوال العام حتى يقول كل شيء في حوار، بل إنه العام الذي خطب وقابل فيه كما لم يفعل منذ زعامته لحزب الله. حين يتخذ الزعيم السياسي مسارا خاطئا يفقده الجمهور، فمن الطبيعي أن يغدو في حاجة إلى كمٍّ أكبر من الكذب والتدليس والظهور، واللف والدوران والإسهاب من أجل تبرير المواقف الإشكالية التي تورط فيها، فكيف حين تكون تلك المواقف من لون ينسف ركنا من أركان خطابه السياسي والعقائدي، ذلك أن وقوف الحلف الإيراني إلى جانب طاغية فاسد مثل بشار الأسد، ينسف أساسا في المعتقد الشيعي (معادلة الحسين ويزيد الشهيرة)، ورفض حاكم الغلب، والإصرار على الخروج عليه. ورغم أن الحوار مع قناة تابعة، ومع صحفي “عاشق” أيضا، ورغم أن كل شيء كان مرتبا دون شك، إلا أن الردود كانت في كثير من الأحيان مرتبكة، ولم تتوفر إجابات مقنعة، فضلا عن رفضه الإجابة في بعض الأحيان. المقدمة الأولى في الحوار كانت لتخدير الجمهور، وهي كانت مقصودة بالحديث عن إسرائيل والمقاومة، لكن ما نسف كل شيء هو قوله إن الإسرائيلي ليس غبيا كي يتورط في حرب مع لبنان، وهذا كلام صحيح تماما، فما الحاجة إلى ذلك بعد أن ترك الحزب المقاومة منذ ترتيبات حرب تموز، وحوّل بنادقه للداخل اللبناني (7 أيار 2008)، وتاليا لسوريا والعراق واليمن، والنتيجة أن هذه “المقدمة الطللية” لم تطرب سوى العقول المغيبة، والضمائر الخربة التي تقبل قتل السوريين بأعذار واهية. بعد ذلك جاءت الملفات الإشكالية الكبرى، وفي المقدمة منها سوريا، وهنا كان “السيد” يطمئن جمهور بكلام هو يعلم أنه كاذب، مثل القول إن الانسحاب الروسي كان بتنسيق مع طهران ودمشق (قال إنه معروف لهم منذ أشهر، فيما التدخل من أصله تم منذ أشهر!!)، فضلا عن الكذبة التقليدية ممثلة في أن تدخل الحزب في سوريا هو لمنع سقوطها بيد “داعش والنصرة)، ولن يتذكر بالطبع مسلسل التبريرات منذ القصير والسيدة زينب وما بعد ذلك، متجاهلا بالطبع وقوفه إلى جانب بشار منذ أن كان يقتل الناس في الشوارع لشهور دون رصاصة واحدة. الجديد المهم في المقابلة هو حديثه عن التسوية في سوريا، وهنا لم يتوقف نصر الله عند بشار وحسب، كشرط للتسوية، بل أضاف إليها البنية الأساسية للنظام، وهو ما يعكس الخطاب الطائفي الحقيقي، لأن البنية العسكرية والأمنية الطائفية للنظام هي التي جاءت ببشار، ولو مات اليوم أو غدا، فإنها ستكون موالية لإيران أيضا، والنتيجة أن التسوية التي يريدها هي ذات التي يتحدث عنه بشار الجعفري في جنيف، أي مجرد تغيير في الحكومة لا أكثر ولا أقل، ما يعني أن الخلاصة التي توصل إليها صحيحة، وهي أنه لا تسوية قريبة، مع فارق أنه ربط ذلك بالرفض السعودي، ومن ثم التركي، فيما الحقيقة أنها متعلقة بالشروط التي تفرضها طهران ودميتها في دمشق. هو باقٍ في سوريا كما قال؛ وهو في العراق واليمن، وحيثما يقرر له “ولي أمر المسلمين” كما يصفه (خامنئي طبعا). أما إسرائيل، فهي لعبة للتسويق لا أكثر ولا أقل، لكنه تسويق قد يمر على العقول المغيبة بالحشد الغرائزي الطائفي، أو المسكون بالعقد الحزبية وكذلك الطائفية من ألوان أخرى، بينما الغالبية الساحقة من الأمة ترى الأمر على حقيقته دون رتوش.
(الدستور 2016-03-30)