أزمة «السفير » .. عاصفة في بيت الصحافة الورقية !
اعتدنا أن نقرأ الصحيفة مع فنجان قهوة الصباح، وعندما نزور بيروت لا يمكن ان نتصوّر صباحها بلا جريدة «السفير» يا زميلنا العزيز طلال سلمان . واذا حرمنا الزمن، في يوم ما من هذه العادة التي احتلت عمرنا المهني الذي تجاوز نصف قرن بكثير، يعني أنه انضم الى خندق الاعداء، الذين يغتالون الصحفي او يقتلون الصحيفة .
عزيزي «ابو احمد» .. لا اعرف من اين ابدأ ، بعدما غافلنا الوقت ومضى حتى كبرنا ، ولكن ما زالت لدينا القدرة على الحلم. لقد تغير العالم من حولنا ، وعلينا أن نعتاد العيش في حياة جديدة لها لغتها وتقاليدها وقواعدها ، التي ألقت بظلالها على مهنة الصحافة، والكتابة والابداع .
أمام هذه المتغيرات علينا ان نصمد ، قدرالامكان ، كلنا ، الذين ننتمي الى جيل الزمن الجميل ، لن نهرع الى النهاية لنلقي تحية الوداع ، لأن التوقف عن الكتابة يعني الموت ، ولأننا نكتشف كل يوم أن هناك كلمة لم نكتبها ، أو نقلها بعد ، في زمن الغضب والقهر والامل ..
أكتب هذه الكلمات بعدما قرأت وسمعـت ما نشر حول الأزمة المالية الضاغطة التي تواجهها جريدة «السفير» اللبنانية ، حتى اوصلتها الى حافة التوقف عن الصدور . بهذه المناسبة اعترف رغم التحديات التي تهدد الصحافة الورقية ، أعود الى اول النشيد، واعلن انحيازي الى مهنة المتاعب بوردها وشوكها ، أنا ما زلت أحن الى رائحة حبر المطابع ، واشتاق الى حميمية الصحيفة المطبوعة، ودفء الكلمة المقروءة ، وأعتقد أن الصحف التي تؤمن بالتجديد والتطوير، ما زالت قادرة على الصمود في الزمن الحاضر، رغم كل المصاعب والمتاعب، لأن لحظة الصدام مع الصحافة الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لم تحن بعد، رغم قناعتي بان العالم يتغير، وحركة التاريخ تفرض التطوير والتقدم الى الامام ، لذلك سيكون التراجع قاسيا .
عرفت صحيفة «السفير»، وكنت من قرائها واصدقائها وعاصرت انطلاقتها في مثل هذا الوقت قبل 43عاما ببيروت، وفي لحظة غير سائدة وتحت شعار غير مالوف « صوت الذين لا صوت لهم «.
شقت الصحيفة دربها دون توقف او انحراف، وأخذت نصيبها من التمرد والعصيان والالتزام المكلف، وشاركت في تكوين الوعي الوطني والقومي، فصارت أكثر من صحيفة. لذلك نرى أن في «السفير» ما يستحق المجازفة، لأنها تحولت الى ضرورة، واصبحت في مسيرتها، أقرب الى رمز وهوية ثقافية فكرية لبنانية عربية ، ضمت بين طياتها نخبة من الصحافيين والكتاب والمفكرين اللبنانيين والعرب، فكان التميز من نصيبها، ولا ننسى حين كنا نبدأ قراءتها من الصفحة الاخيرة التي كانت متوجة برسومات المبدع الشهيد ناجي العالي .
الحقيقة أن الصحيفة تشبه مؤسسها ورئيس تحريرها الزميل الصديق طلال سلمان الذي عرفته في اكثر من موقع وصحيفة ومجلة ، فهو الهادئ العنيد في وقت واحد ، ولكنه ثابت الكلمة والموقف، وباصداره «السفير» امتلك القدرة على التضحية، لذلك تراجع عن قراره الجبري الضاغط القاضي بالتوقف عن الصدور, استجابة لرغبة الزملاء الذين وضعوا ورود الروح وأزهار شبابه في مزهرية السفير، كما يتم توضيب الحروف والصور قبيل اهدائها الى القراء. وقتها أدرك امام تعاطف قراء وعشاق الصحيفة انه لم يكن على صواب، فما زال في الوقت بعض المتسع لدور صحيفة بحجم «السفير»، في هذه المرحلة التاريخية .
وأزمة السفير ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في بيت الصحافة الورقية العربية، الا اذا ادركنا كيف نوظّف التقدم التكنولوجي في ثورة الاتصال لصالح الصحف التي تتجدد ولا تشيخ ، من خلال تطوير التحرير، وجذب الاعلان، وتوسيع دائرة الاشتراكات. كذلك يمكن انقاذ الصحف حين يدرك كبار رجال الاعمال وأصحاب المؤسسات الانتاجية الكبيرة من غير الباحثين عن الربح السريع ، أن الصحافة رسالة وضرورة وطنية يجب المساهمة فيها ودعمها والتضحية من اجل استمرارها .
الصحف الورقية ، ووسائل الاعلام الاخرى غير المدعومة من دول غنية، تعاني بسبب فوضى الربيع العربي، وهي ضحية الحروب المحلية، والفرز العرقي والطائفي الذي صاحبها، فاصاب نسيج المجتمعات، كما اصاب الاقتصاد بالفساد والكساد ودفعه نحو التراجع حتى التدهور، وآخذا معه سوق الاعلان . هذا ما حدث في العديد من الاقطار العربية المتضررة بالحروب او بالتوتر.
الحقيقة أن الامر يحتاج الى القليل من الصبر، الى ان تنتهي دورة الفوضى والعنف بفشل المشروع المشبوه، وبالتالي تتعافى الاوطان وناسها وصحفها .
(الرأي 2016-03-31)