كمشة نساء لتجميل الصورة!!!!
كاللمسات الأخيرة التي توضع على لوحة لضمان جماليتها وجاذبيتها او البهارات التي توضع على طبق لتحسين مذاقه او كخرزة زرقاء ترد عين الحاسدين او كسد حنك وتسكيت للمعترضين بهذا المنطق يتم استخدام المرأة في العمل والمشهد العام يستوي في ذلك الذين يدعون الانفتاح والتطور والذين يواجهون شبهة الانغلاق والتضييق فكلا الطرفين يزين واجهته وعمله «بكمشة» نساء حتى يقولوا للناظر: ها أنا ذا ولدينا نساء عاملات، مديرات، وزيرات، نواب، أساتذة الخ فيأخذون بذلك ختم التقدم والجودة الانسانية في الإحسان الى هذه الفئة المستضعفة: النساء!!!
مشهد المرأة في العمل العام بين المحافظين ومدعي التقدم لا ينم اطلاقا عن أصالة فكرية ولا تغير حقيقي في العقلية والممارسات فهو مجرد اجراءات سطحية وشكلية ومكتسبات آنية تقدم المرأة في مواقع معينة، تفتقر الى التأثير والسيادية، كما لا يوجد تراكمية في الانجاز تجعل من وجود المرأة أساسا وقاعدة لا استثناءا او نشازا، ناهيك عن فردية النماذج النسائية وقلتها وتنافسها فيما بينها حتى أصبح الأمر شيئا شخصيا وليس انجازا عاما يسجل لجميع النساء!
والحالة ليست أفضل غربا وان كانت النساء قد أحرزن تقدما أفضل بكفالة القانون اولا ثم بتغير عقلية المجتمع ثم باثبات الذات والانجاز ثالثا الا ان الحالة العامة ما زالت ذكورية في المشهد وتبوء المناصب فهل هو مجرد تفوق عددي ام تفوق كفاءات؟ وماذا عن المشهد الاجتماعي الذي يكثر فيه العنف ضد المرأة؟ وهل يمكن القول بالتقدم في المجال العام دون ان يكون مبتدؤه في البيت والأسرة بنفس مستوى الحقوق والضمانات للمرأة على اختلاف أدوارها واحوالها؟!
في الحالة العربية يعد الدين مسؤولا بالدرجة الأولى عن وضع المرأة فدين الدول والشعوب الاسلام، سواء أكان ذلك معلنا ام لم يكن، والمشكلة ليست في النصين المقدسيين، القرآن والسنة، وإنما في مصادر التشريع الأخرى التي دخل فيها الاجتهاد البشري، الذي يخطىء و يصيب، ويتأثر بالاحوال والعادات والتقاليد وغيرها من احوال المجتمع ثم تقديس هذه الآراء و المدارس وإعطاءها هالة تجعل من يفكر او يتسائل عكسها مرمي بتهم الخروج والتكفير والتفسيق؟ فكيف لو كانت امرأة وراء مشروع التغيير هناك تصبح المقاومة أعتى وأعتى وخروجا على الشرائع الدينية والاجتماعية!!
لا ريب ان الدين والشريعة هما أول خيوط الاصلاح الفكري والاجتماعي وتغيير القوانين، وأي قارىء متابع ليس بمتخصص سيجد بفهمه البسيط والمعلوم لديه من الدين بالضرورة ان دلالات النصوص المحكمة وتطبيقات السيرة لا تفرق بين ذكر وأنثى، الا في مواضع مخصوصة، تم التقديم فيها وتحميل المسؤولية لطرف دون آخر لأهلية فطرية وليس استثناء تضعيف او تحقير او تشديد على جنس دون الآخر بل لقد نالت الاناث في كثير من المواضع ما يعرف الان «بالتمييز الإيجابي»، بل ان التكاملية وسد الثغرات هما الأصل مع تنافس في الخيرات يسبق معه أولو السبق بغض النظر عن جنسهم، وحتى المواضع التي قدمت على أساس انها ذكورية أصلا كالجهاد مثلا لم تغب النساء عنها واولهن زوجات الرسول صل الله عليه وسلم وكان حضور الصحابيات والتابعيات حضور مشاركة فعالة لا فقط في الادوار الاسنادية!
اذن من أين تسلل الخلل الى منظومة الفكر الاسلامي ليصبح وجود النساء فضلة و زينة وبابا مواربا يسمح بعض «رجال الدين» بفتحه بينما يفضل البقية اغلاقه درءا لما يصفونه بالفتنة؟ ومتى أصبحت المرأة التي خلقها الله لتكون نصف الانسانية مجرد فتنة يجب السيطرة عليها والتقليل من أضرار وجودها قدر الامكان؟! هل بهذا المنطق تقوم الحياة ويحقق الاستخلاف وتعبيد الناس لربهم وجزء أساسي من عناصر الحياة، معطل القدرة و الفاعلية، الا بقدر المسموح له من أصحاب الإذن من البشر؟! و متى أصبح البيت شرنقة منفصلة عن المجتمع لتبقى المرأة فيه فيما يسمى بمملكتها دون أن يكون لها دور في ملكوت الله الأعم والأشمل؟!
هل تعارض دور خديجة رضي الله عنها كأعظم الزوجات والأمهات مع دورها الاقتصادي كسيدة أعمال ودورها السياسي كسيدة أولى حاضرة بقوة في جميع المفاصل السياسية التي عايشتها في المرحلة الأصعب من تكوين الدولة الاسلامية؟!
هل نشزت أم عمارة عن زوجها وطاعته و بيتها واستقراره يوم صاحبت النبي في غزواته و كانت في أحد آخر الجنود الذين دافعوا عنه؟!
هل انتفت عن الخنساء قامتها الشعرية وانجازها الأدبي يوم جلست في البيت تربي اولادها ثم أطلقت خطواتهم الأولى في عالم الخلود والشهادة فأصبحت بذلك ايقونة التضحية على مر العصور وخلد اسمها في الوقت الذي لا يذكر فيه اسماء اولادها بالرغم من عظمة أفعالهم؟!
هل كانت شجرة الدر أقل أنوثة وحبا وغيرة على زوجها أيبك وهي تقسم نفسها بين زوجة وملكة تسير دولة ورجالا؟!
ونعود للقضية الاهم فالدين والصفحات الناصعة من التاريخ تخلو من حروب الذكورة والانوثة ومحاصصات المواقع والمناصب فالتقديم للاكفأ وبذا لم تغب النساء عن كل الميادين بل كان المسجد النبوي بمكانته الدينية والسياسية والرمزية في عصور الاسلام الذهبية يعج بالاف المحدثات كما يثبت الدكتور اكرم ندوي في كتابه( المحدثات:العلماء النساء في الاسلام).
لذا فالاصلاح المطلوب هو ان نعود الى هذه الاصالة الشرعية والفكرية التي تنكرنا لها وانكرناها واخفيناها نزولا على رأي فلان وفلان، الذين لا يعدون كونهم بشرا يؤخذ منهم ويرد عليهم مهما بلغوا من العلم، الاصلاح المطلوب يكون بمراجعات داخلية تخلو من تدخل أصحاب الهوى او الجبناء المختبئين دائما وراء ستار درء المفاسد والمتناسين أن جلب المنافع اولوية أيضا وان الأصل في الفطرة البشرية الصلاح فلا يحكمنا عند التقنين الخوف من الاختراق ومن اساءة الاستخدام والخروج بل يحكم على الخارجين او الخارجات بقدر المخالفة ولا يؤخذ الصالح بذنب الطالح!
ان أصحاب الأهواء في الدين او المحكومون بالخوف وبأسئلة من شاكلة: ماذا سيحدث لو فتحنا للمرأة باب كذا؟ ألن يسيء البعض استخدامه؟ هؤلاء لا يخدمون الدين ولا يثبتون فاعليته وصلاحيته لكل زمان ومكان بل هم سبب أساسي في تنفير الناس ورمي الدين بالجمود والرجعية بل وقد فتحوا على الاسلام حربا من الغرب الذي يرمي الاسلام بهضم حقوق المرأة واستضعافها ويحاول بخبث استحداث مدارس و صناعة مفكرين لها وتقديم أمثلة غريبة يعدونها خرقا او فتحا في الدين كفتح مسجد للنساء او تقديمهم للإمامة او الحديث في المواريث او قوانين الاحوال الشخصية!! أليس الأولى ان يكون التغيير والمراجعة والتوسع بيد أتباع محمد لا أتباع جورج؟!
ويبقى سؤال أخير: الى اي مدى تلام المرأة عن وضعها بقبولها ورضوخها لقوانين الاحتكام والعمل العام بالذات في المؤسسات التي تقدم نفسها بثوب اسلامي؟ هل تقيم ثورة مثلا ام تنتظر وتعمل بسياسة النفس الطويل والتغيير البطيء الذي يراكم النجاحات واحدا تلو الآخر وهل هناك مهلة في الوقت ام تراخٍ في الاحداث المتسارعة؟ والى متى يفرح الرجال عموما ورجال الدين خصوصا بالوضع القائم المليء بالتشوهات والثقوب خوفا من المستقبل او حفاظا على كراسيهم؟ لن أخاطبهم بمنطق هذه أمك وأختك وبنتك فصحح واعمل لأجلها ولكن سأقول هذا دينك فقدمه بصورته الحقيقية الزاهية التي لا تعطل ولا تحصر أحدا حتى لو كان امرأة!!! و الا فسيسود المشهد الذين يعيدونها الى عصر السبايا ويقولون هذا هو الاسلام او الذين يفلتون البشرية جمعاء من عقالها و يقولون هذا التطور ودعوا الدين جانبا!
(السبيل 2016-03-31)