أزمة البرازيل السياسية.. ومستقبل مجموعة «بريكس»
أخذت الأزمة السايسية المُتفاقِمة في البرازيل, بعداً خطيراً جديداً، بعد أن «فكّ» شريك حزب «الحركة العمالية» الحاكم، المُسمّى حزب «الحركة الديمقراطية» بزعامة اللبناني الأصل نائب الرئيسة ميشال تامر,ارتباطه بالائتلاف الحكومي, وفتح الطريق امام المُعارضة المدعومة من الولايات المتحدة واسرائيل (نعم اسرائيل, الغاضبة جداً على البرازيل, لِرَفض الاخيرة ترشيح حكومة نتنياهو,رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة,داني ديان سفيرا لدى البرازيل) كي تَمضي قُدماً في مسعاها لعزل الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف، وتسليم (الرئاسة) الى نائبها ميشال تامر، مكافأة له على تخليه عن شراكتها، ورغبة في تغيير المزاج الشعبي، تمهيداً لوصول المُعارَضة الى الحكم وطَيّ صفحة «الحركة العمالية» التي استمرت نحواً من عقد ونيف, نجح خلالها الرئيس السابق لولا دي سيلفا في ولايتيه الرئاسيتين, في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد البرازيلي (أكبر اقتصادات اميركا اللاتينية) وايضاً في نقل ملايين البرازيليين الفقراء من تحت خط الفقر الى «فوقِه», فضلاً عن الارتقاء بالخدمات المُقدمة اليهم تعليماً وطبابة وفرص عمل وغيرها ممن كانت حِكراً على الأغنياء ورهناً بارادة الكومبرادور والطُفيليين والمُضاربين والسماسرة.
ان تصل الأمور الى اتهام الرئيس السابق «لولا» بالرشوة والفساد والاستفادة من «خدمات» شركة البترول الوطنية العملاقة، يعني أن المعارضة المدعومة من واشنطن، قرّرت الاستفادة من التجربة الفنزويلية حيث نجحت «معارضتها» التي تحتضنها واشنطن, في شيطنة حكم الرئيس الفنزويلي مادورو, وتحميله مسؤولية الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الوطني جراء الانخفاض الحاد في اسعار النفط (بما هو سلعة التصدير الرئيسية في البلاد) كذلك في ارتفاع نِسَب الفقر والبطالة وترهل الحزب الحاكم وغياب الكاريزما عن الرئيس مادورو نفسه, الذي عاش في «جلباب» القائد الفذ هوغو شافيز، ما اسهم ذلك كله في تقدم المعارضة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة وتشكيلها حكومة مُنفرِدة, اخرجت الحزب الحاكم (البوليفاري) من السلطة التنفيذية, وإنْ أبقت على نفوذه في الجيش والسلطة القضائية والمحكمة العليا، إلاّ ان بقاء ذلك مرهون بنتائج الصراع السياسي المُحتدِم، الذي قد يكون لصالح المعارضة في النهاية, اذا لم يجد مادورو مَنْ يقف الى جانبه, ويصحح الكثير من الممارسات والقرارات التي لم تلْقَ تأييداً من شرائح الشعب الفقيرة والمتوسطة, التي تُشكل «خزّان» الاصوات والدعم الميداني للحزب الاشتراكي البوليفاري الخارج من الحكومة مؤخراً.
ماذا عن البرازيل؟
انسحاب حزب الحركة الديمقراطية من إئتلاف الرئيسة روسيف، سيُوفِر للمعارضة الاصوات اللازمة في البرلمان البرازيلي (ثلثي الاصوات) لعزل الرئيسة مدة لا تزيد عن ستة اشهر (180 يوماً) وانتظار نتائج التحقيقات التي تجري مع الرئيس السابق «لولا» والرئيسة ذاتها التي يصعب اثبات انها متورطة في الفساد على ما تقول اوساط المعارضة نفسها، إلاّ انه يُمكن تحميلها المسؤولية الادبية والاخلاقية عن تُهم الرشوة ونهب المال العام, كونها المسؤولة الاولى»دستوريّاً».. في البلاد، وهذا يراد منه, وضع اسفين بينها والرئيس السابق»لولا» الذي لم تنجح روسيف في تعيينه رئيساً لديوانها كي تحول دون التحقيق معه واهانته، بعد ان منعت إحدى المحاكم تعييناً رئاسياً كهذا، ما يفتح الطريق, في الان ذاته,أمام نائبها ميشال تامر, كي يكون رئيساً بالوكالة في انتظار التطورات.
أنصار الحركة العمالية ليسوا قِلّة ولن يستسلموا بسهولة,إلاّ ان قواعد اللعبة الديمقراطية تفرض عليهم التعاطي مع المسألة بمقاربة تتجاوز ردود الفعل او التسبب بحرب اهلية، تُفضي الى انقلاب عسكري ليس مُستبعَداً, في ظل التقاليد الاميركية اللاتينية المعروفة, حيث دعم الجنرالات متوفر دائماً في دوائر «السي. آي. إيه» الاميركية.
لكن ما علاقة مجموعة «بريكس».. بالموضوع؟
ليس ثمة علاقة في ازمة البرازيل الراهنة, لكن الاخيرة (كما جنوب افريقيا) تفرض نفسها على دور المجموعة وتُقلِّل او تكبح من اندفاعتها التي عوّل كثيرون عليها, لوقف او لجم الهيمنة الاميركية, ووضع حد لهذا الشره النيوليبرالي المتوحش, الذي يَنْظُم ايقاع الرأسمالية العالمية، لكن انغماس البرازيل وقبلها جنوب افريقيا في ازماتها الداخلية, وتباطؤ النمو الاقتصادي الصيني والمصاعب التي يُعانيها الاقتصاد الروسي’ لا يترك مجالاً للشك بأن الدور المأمول, لمجموعة الدول الخمس ذات الإقتصادات الصاعدة هذه, قد تباطأ او خَفّف من سرعته، رغم ان الاقتصاد الهندي هو الوحيد المرشح للاقلاع او مواصلته, رغم كل الازمات التي تعصف باقتصادات دول كبرى وناهضة عديدة.
هل ثمة روابط بين الهجمة على دول بريكس او إضعاف دورها، بما يحدث في البرازيل؟
ليس ثمة شك في ذلك، لكن الاحزاب الحاكمة, تتحمل جزءاً لا بأس به من المسؤولية.
(الرأي 2016-03-31)