المجتمعات واللامركزية

عقدت محافظة إربد، بالتعاون مع وكالة الإنماء الأميركية ومؤسسة "Global Communities"، لقاء حواريا توعويا، قبل أيام، حول قانون اللامركزية. ويفترض أن يعقد لقاءان آخران في محافظتي المفرق والطفيلة. وهي مبادرة رائدة بالتأكيد، لدفع المجتمعات إلى مزيد من الاهتمام والمشاركة، ذلك أن جوهر اللامركزية هو مشاركة الناس، ولا يكفي في ذلك تفويض مجالس منتخبة للمحافظات بإدارة ومتابعة المشروعات والخطط المتعلقة بالمحافظة.

لا يظهر القانون دورا مباشرا للمجتمعات في اللامركزية، معتبرا (ربما) أن انتخاب أعضاء مجلس المحافظة يعكس مشاركة المواطنين ودورهم وولايتهم على شؤون المحافظة. لكن الانتخابات لا تكفي لتفعيل المشاركة المجتمعية وتقدير الاحتياجات والأولويات المستمدة من إدراك الناس ومعايشتهم لهذه الاحتياجات. ولا يبدو، أيضا، ثمة تصور عملي تنفيذي؛ سواء في القانون أو في عمل المجالس التنفيذية والمجالس المنتخبة، لمشاركة الناس على نحو مباشر، أو حتى استطلاع ومعرفة آرائهم وملاحظاتهم. ولم ينخرط المواطنون بعد على نحو كاف وشامل، في منظمات اجتماعية موازية للمجالس التنفيذية والمنتخبة أو متكاملة معها. وثمة حاجة لأن تنشئ منظمات المجتمع المدني، في كل محافظة، شبكة مناظرة لمجلس المحافظة ومشاركة في التخطيط والتأثير؛ وتحتاج قبل ذلك أن تمثل المجتمع تمثيلا صحيحا وعادلا، وتتجاوز عزلتها. وربما يكون ثمة حاجة لمضاعفة منظمات المجتمع المدني في عددها وتخصصاتها ومجالاتها وفي عدد أعضائها؛ كأن يكون لكل مدرسة ومسجد ومركز صحي واجتماعي جمعية أهلية موازية ومساندة، وأن تتشكل جمعيات بأوعية محددة مسبقا حسب مجالات واتجاهات خطة المحافظة والخدمات العامة والأساسية التي يديرها القطاع العام والقطاع الخاص أيضا، مثل الماء والطاقة والاتصالات والبنوك والاستهلاك.

والبلديات، كذلك، يجب أن يتسع دورها ليشمل الرعاية الاجتماعية، والثقافة والفنون، والأندية الرياضية. ومن المهم جدا، إن لم يكن إجباريا، أن يكون لكل تجمع سكاني من خمسة آلاف نسمة ناد رياضي ثقافي اجتماعي، وأن يكون فاعلا ويمتلك موارد تكفي لاستيعاب القطاع الشبابي في المجالات الرياضية والاجتماعية والثقافية والعمل التطوعي.

بعد ذلك، يمكن أن تكون لدينا فرصة معقولة لأن تشكل منظمات المجتمع المدني مجلسها الاجتماعي الموازي لمجلس المحافظة، وأن تكون أيضا مصدرا أساسيا لتغذية خطط المحافظة ودعمها ومتابعتها وتطويرها وملاءمتها لتكون أقرب ما يمكن إلى إدراك وتصورات المواطنين.

الحال أن قانون اللامركزية 2015 في فلسفته وتطبيقاته لا يعكس لامركزية فعلية، وإنما يؤسس لمشاركة اجتماعية مع الحكومة، وتنسيق عمل المؤسسات الحكومية في المحافظة، وبناء أفكار وبرامج على مستوى المحافظة. لكن لن تملك المحافظات مواردها ومؤسساتها الخاصة بها، ولا تملك أيضا ولاية على الخدمات والاحتياجات الأساسية في المحافظة إلا في نطاق ومجال محدودين، بل لا يمكن وصفها بأنها وسط بين المركزية واللامركزية أو نظام مشترك بينهما؛ هي ليست أكثر من محاولة تفعيل العلاقة والحوار بين الحكومة والمجتمعات. ولا بأس بذلك على أي حال، ولكن ثمة حاجة لتصورات وتطبيقات تفعل مشاركة المواطنين مع الحكومة، وتطور المجتمعات المدنية والأهلية لتكون أكثر حضورا ومسؤولية.

السؤال الملح في مسألة اللامركزية: ماذا فعلت أو يجب أن تفعل المجتمعات والمنظمات المعبرة عنها لتنظم حضورها ومشاركتها؟ لماذا تبدو ليست معنية، برغم أن القانون يهدف إلى زيادة حضورها؟ هل فكرت البلديات والمنظمات الاجتماعية والأفراد في الفرص الممكنة في قانون اللامركزية؟

(الغد 2016-03-31)