مزارعون لا بواكي لهم
تلوذ الحكومة بصمت طويل، فيما يرتفع منسوب الخسارة يوما بعد يوم لآلاف المزارعين في وادي الأردن. والمشهد برمته يعكس عجز الحكومة عن تقديم أقل القليل لجزء أصيل من الشعب، أنهكه الاحتراب الإقليمي، واستحالت أوضاعه إلى خراب متطاول بعد إغلاق الحدود في وجه المنتجات والمزروعات.
لا تقوى الحكومة على تعويض المزارعين بمبلغ 40 مليون دينار، كجزء من تسوية لإزالة بعض التعثر عن 5 آلاف مزارع في وادي الأردن. وعلى ما يبدو، فإن خزينة الحكومة ليست معنية بإيجاد حلول لأزمة هذا القطاع المفتوحة منذ خمس سنوات. فيما لم يعد يجدي -والحالة هذه- أن يستمر الجميع في ممارسة الفرجة على انهيار قطاع أساسي ضمن مشهدية الموت السريري.
نداءات مؤسسات المجتمع المدني كافة لإنقاذ أهلنا في الغور، بلا مجيب. وآخر هذه النداءات كان لمجلس النواب، بغية الوصول إلى حل جذري، إلا أن الحكومة لا تصغي، وهي التي تتعثر في إيجاد أسواق جديدة للتصدير، ولم تفلح في تحفيز التحول إلى الصناعات الزراعية، كما أنها لم تساعد في جدولة الديون المستحقة على المزارعين لدى البنوك والمؤسسات المصرفية الأخرى، علاوة على أنها لم تحمل من تداعيات أزمة المزارعين أي أعباء، إذ حتى كلف الشحن على المنتجات الزراعية، ما تزال ضمن الأكلاف الملقاة على اكتاف البسطاء في وادي الأردن.
وتبرز أسئلة هنا، منها: لماذا لا تتحمل الحكومة مسؤولياتها لتجد حلولا لمعاناة الزراعة في البلاد؟ ما هذه السلبية التي يختبئ خلفها جزء كبير من القطاع الخاص؛ فالقطاع العام مقصر حيال أزمات كثيرة ومنها أزمة المزارعين، ويشاركه في السلبية ذاتها القطاع الخاص الذي يتطلع البعض فيه إلى تحقيق الربح حتى لو كان المقترض على شفير الهلاك؟
مبلغ الأربعين مليون دينار ليس كبيرا في الاقتصاد المحلي، وهو أو بعضه ليس كبيرا أيضا على البنوك والمؤسسات المصرفية.
يطالب أبناء الغور المنهكين بالقروض بوقف الملاحقات القضائية بحقهم؛ فنحو ألفين من المزارعين هم اليوم تحت طائلة الملاحقة القانونية، وليس لديهم إجابات عن أسئلة الحقوق، بعد التعثر الذي غير حياتهم إلى جحيم في السنوات الخمس الماضية. ومن المخجل أن يتحول من كان يرفد الاقتصاد بأحد أهم أسباب الأمن الغذائي إلى شخص ملاحق ومدان.
لا تتوفر الإرادة لدى الحكومة لحل مشكلة المزارعين. وكل الحديث عن محاولات فتح أسواق في روسيا أو أوروبا ليست إلا ذرا للرماد في العيون؛ فمن الواضح أن هذه الجهود الحكومية محدودة، وتتم بأدوات تقليدية لم تتمكن من تغيير المشهد. كما أنه لا مصانع لمزروعاتهم، ولا مكان اليوم للصناعات الزراعية في عموم المملكة. وكذلك لا يتوفر للمزارعين مطار قريب لتخفيض كلّف النقل والشحن الجوي إلى دول إقليمية، بعد انسداد الحدود البرية شرقا وشمالا.
غدا يدخل مزارعو وادي الأردن أسبوعهم الثالث في الاعتصام المفتوح، وهم يلوذون بخيمة، بينما يواصل الجميع مسلسل الفرجة عليهم.
(المصدر: الغد 2016-04-02)