مُفَبْرِكو التسريبات .. صانعو «البروباغندا» !
ليس للمسألة علاقة بما كان يفعله النازي الأشهر غوبلز, حول «الكِذبة» التي يدعو الى استمرار تكرارها حتى يُصدّقها الناس، بل هي «التسريبات» في عصرنا الراهن، حيث لم يكن يتوفر لغوبلز واجهزته, على اخطبوطيتها واتساعها وتمددها افقياً وعامودياً، ما هو متوفر الآن لـ «غوبلزات» عصرنا، من امكانات ووسائط وقنوات اتصال وصحافة, ذات الوان متعددة او قُل يصعب تحديد ألوانها ,على ما كان مع بعض الصحافة التي دأب كثيرون على وصفها بـِ»الصفراء»، فاذا بها الآن تتخذ ألواناً شتى ومغايرة، لا يرقى مصطلح «الصفراء» الى القاء الضوء على ما تعنيه هذه المفردة التي كانت شتيمة مُختَصَرة ولكن محمولة على توصيفات ونعوت قاسية.
ما علينا..
التسريبات في عهد غوبلز، كانت شبه غائبة، فليس «القوي» في حاجة الى نشر التسريبات, وهو يذهب – واجهزته – مباشرة الى تسمية «المولود» باسمه الحقيقي, ولهذا كانت تسريبات اقرب الى «الإخبار» منها الى أي شيء آخر, لأنه لا يخشى رد الفعل الشعبي (ما بالك رد فعل العدو الذي يقارعه بالسلاح, ويُعلن عليه الحرب , ويزحف لابتلاع وطنه او اسقاط حكومة حتى لو كانت مُنتخَبة؟).
في عصرنا، المشهد مُغايِر, فالتسريبات ركن مهم من تفاصيل المشهد، وهي غير الإرباك التي تريده جهات معينة نافذة، او هي تعيش في الظلال وتلعب ادوار «القيادة من الخلف»، لِخلط الأوراق وابتزاز الخصوم، وتحسين شروط التفاوض, واعتبار تسريباتها مثابة بالون اختبار لرصد ردود الفعل وتحديد الخطوات اللاحقة، ما بالك عندما تكون تلك التسريبات مُفبرَكة ولا تستند الى اي حقائق او دلائل, وبخاصة عندما تسند تلك التصريحات الى «أشباح» كالقول: انها مصادر «ثقة» او رفضت الافصاح عن اسمها, او الزعم بأنها دوائر «سياسية ودبلوماسية» وخصوصاً في نسبها الى مراكز ودراسات وابحاث او جهات استخبارية (غربية مثلاً) دون تحديدها, ما يجعل المسألة كلها في خانة التكهنات بل والشك في النيات والمصادر والاهداف، لكن – ورغم النفي الغاضب الذي قد يكون سارع اليه طرف معني بالتسريبة هذه او تلك – فان الاثر السلبي او بالون الاختبار، يكون قد انفجر وترك أثره بهذا الشكل او ذاك، ولا قيمة بعدها او أهمية، لو قامت الصحيفة المذكورة او وسيلة الإعلام التي نقلت التسريبة على ثماني أعمدة في صفحتها الاولى كخبر رئيس، بنشر اعتذار او توضيح، وهي كما يقول خبراء الاعلام الاجتماعي, تكون قد اصابت هدفها وليس مهماً لديها بعد ذلك, ان تُوصف بالصفراء او الحمراء او الخضراء، مطمئنة بالطبع الى انها قامت بخدمة «السياسة» سواء كانت على شكل دولة او جهاز استخباري او تنظيم ارهابي او تجمع مُعارِض او اي مكون آخر لجأ اليها او التقى معها في الاهداف والغايات.
اين من هنا؟
باقتراب موعد الجولة الجديدة من جنيف3 والمقرر «مبدئياً» ان تعقد في الحادي عشر من الشهر الجاري، بدأ «أركان» معارضة مؤتمر الرياض يرفعون من سقف شروطهم ويستخدمون لغة ومفردات تكاد تكون كل شيء، إلاّ كونها سياسية او ذات علاقة بفن التفاوض وتكتيكاته، ما يعكس جهلاً وصلفاً وغطرسة واطمئنان كاذب اقرب الى الوهم، لوعود عواصم غربية او عربية، قالت: لهم او همست في آذانهم أن «واصِلوا» القول ان لا مكان للأسد ولو لساعة واحدة بعد «الاتفاق» على هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات, بما في ذلك صلاحيات الرئيس.
ولأن هؤلاء... سواء كان أسعد الزعبي او حتى الشيوعي التائب جورج صبرا, دع عنك بسمة قضماني التي قالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر وتحدثوا عن ملايين من الدولارات وضعتها في حسابها قبل ان تخرج من الائتلاف وتعود الى البلد الذي تحمل جنسيته، لا يُدركون بأن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن موازين القوى لم تعد - ولن تعود - في صالحهم وأن مياه كما دماء كثيرة ,جرت تحت وفوق نهر الفرات وباقي انهار سوريا ووديانها وتلالها، فإنهم يبدون وقد أصابهم اليأس ولم يعدودوا على ثقة بانهم سيجدون مقعداً في قطار التسوية السياسية السورية السورية, بعد ان لم يعد بمقدور احد ,حتى تركيا اردوغان, تجاوز كرد سوريا ومعارضة موسكو كما معارضة القاهرة، راحوا يستندون الى «تسريبات» تتحدث عن توافق موسكو وواشنطن على رحيل الاسد الى دولة ثالثة خلال ستة اشهر، وقد أُسقِط في أيديهم, عندما خرج لافروف على العالم بتصريح غاضب يقول: انها تسريبات «قذرة», ما اضطر الخارجية الاميركية وقد بدت مُحرَجَة وربما في وضع المُتّْهم او المُسرِّب الى اصدار بيان ينفي حدوث اتفاق كهذا.
في السطر: مسألة بقاء الرئيس السوري, تبدو الان واكثر من اي وقت مضى, بانها خارج اي حسابات او تفاوض, وما عدا ذلك كل شيء قابل للتفاوض والنقاش على قاعدة الاعتراف - اعتراف الجميع - بسوريا دولة ديمقراطية مدنية مُوُحَدة, ترفض كل مكوناتها السياسية والحزبية الارهاب باشكاله كافة, وهي دولة لكل مواطنيها.
مُعارَضة رياض حجاب, تحاول عبثاً إسماع صوتها المخنوق، دون ان تُدرِك ان العالم ليس في وارد انتظارها او التوقف عند مطالبها غير القابلة للتنفيذ، قبل الان بكثير، ما بالك بعد ان قالت الميادين كلمتها, وبدأت رحلة إندحار الارهاب الذي دعمته دول اقليمية ودولية, بدأت هي الاخرى, «تجني» ما زرعت اجهزتها ووكالاتها الاستخبارية.
(الرأي 2016-04-03)