الكتابة عن الطبيخ
إن على الكاتب أن يتابع آراء قرائه، فهم مرآته الأولى التي يرى فيها نفسه، وهم مختبره الذي يرى فيه نتاج تفاعلات مشاعره وأفكاره وصدى خواطره.
والقراء لا يأتون الى النص بقلب وعقل خالٍ، وإنما يأتون محملين بأفكارهم الشخصية وتجاربهم وتحيزاتهم، وعوامل انجذابهم متعددة؛ فقد يجذب القارئ العنوان الغريب، وقد يجذبه الكاتب، وقد يشجعه على القراءة جنس الكاتب كأن تكون امرأة، فتتعاطف معها النساء، أو تزدريها غيرة وتجاهلا، وقد يقرأ لها الرجال استصغارا ونقدا، فماذا عند المرأة لتعلمه الرجل؟!
ومثل هؤلاء الفئة من القراء تغني وتقرأ على ليلاها، ولديها دائما وجهة خلافية مسبقة مع الكاتب، وفسحة التعليق تعطي القراء مجالا للتعبير عن الاختلاف الدائم، سواء أكان المكتوب عن الذَّرّة أم الذُّرة، هذه الفئة تُكتب الكاتب ما لم يكتبه، وتقوله ما لم يقله، وصدق الشاعر:
أقول له زيدًا فيسمع خالدًا *** ويكتبه عمرًا ويقرأ بكرًا
فبعض القراء يقرؤون بحواسهم، وهؤلاء العاطفيون، وبعضهم يقرأ بعقله الجامد دون إعمال الحواس والمشاعر، ويضع السيف موضع الندى، وبعضهم لا تجاوز الحروف عيونه، فيقرأ ولا يقرأ، وبعضهم متوازن يقرأ بالعقل والقلب، وهم قلة إلا أنهم القلة النافعة التي يجب أن يحرص عليها الكاتب، وعلى متابعة آرائها فهم يسدون خلله وثغراته ويحسنون ما لم يكتمل من أفكاره ويجودون الحسن.
وقرائي الأعزاء يقبلون عندما أكتب في المواضيع الاجتماعية، ويدبرون عندما أكتب في السياسة حتى أصبح عندي عقدة نقص، وهي أصلا موجودة عند النساء بشكل عام عن عدم أهليتهن للتعاطي مع السياسة بحكم الصورة النمطية، وتعامل المجتمع معهن في السياق المبتور، والاستدلال غير المطلق على قاعدة «لن يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة»، فظلت الولاية وما يليها من امور السياسة حكرا على الرجال: ممارسة، وتفكيرا، وتنظيرا.
وإذا كان التقسيم الكتابي بحسب البيولوجيا، والنشاطات الحياتية، فلماذا كتب الرجال أجمل أشعار الغزل، وهم الأقوى بنية وجسدا، والأخشن خَلْقًا وتربية، والمنغمسون في نشاطات العمل والكسب، البعيدة كل البعد عن العاطفة والعاطفية؟
قالوا الطريق الى قلب الرجل معدته! فهل نصل بالكتابة عن الطبيخ الى قلب وعقل الرجال والمجتمع؟ وهل نصل بالصغائر الى الأكابر؟
وماذا اذا كانت المرأة لا تتقن الطبخ على عكس المتوقع، وكان أشهر الطباخين العرب على الفضائيات من الرجال، فهل تترك المرأة الكتابة لأن المجتمع لا يراها إلا بين الصحون والملاعق والأشواك، وقرقعة الطناجر؟!
ولكن ليس على المجتمع أن يوسع للمرأة لمجرد أنها امرأة، كما ليس له أن يعطي الرجل حظوة أكبر لأنه رجل.
على المرأة أن تشق طريقها في المجتمع والكتابة، لتستحق أن يمنحها قارئ او قارئة جزءًا من وقت هو الحياة، ليتفاعلوا مع الأفكار التي هي أهم من الشخوص، سواء أكانت الشخوص تلبس بنطالا أم فستانا!
قد تحجم المرأة عن الكتابة في السياسة اختيارا، فهي في بلادنا قذرة تغمس معظم من يخوضون فيها في مستنقع الفساد، ولا ينجو منها إلا القليل، وحتى النساء عندما خضن الميدان لم يكن أصلح فالفساد، ليس له جنس.
أما في فهمها، فدهاء المرأة وتدبيرها معروف في التاريخ، ومشهود له، والاستقلال بقدرات المرأة سيبقي المجتمع يحبو بأرجل عرجاء.
ليس انتقاصا للطبيخ، فطبخ المرأة لعائلتها عبادة وصدقة منها عليهم، ولكن مع طبخ الطبيخ عليها أن تصلح المجتمع من حولها وتغيره، ولو على نار هادئة!
(السبيل 2016-04-04)