ما وراء الاحتقان !!
ما يقال احيانا عن الأفراد وأنماط سلوكهم ينطبق الى حدّ ما على المُجتمعات، فقد يسود فيها مناخ من التوتر والاحتقان ينعكس على مجمل العلاقات والمعاملات اليومية، لكنه يتضح اكثر في الحوارات المُتَلْفَزة بحيث سرعان ما تضيع الحدود بين المفاهيم والشخصنة، وتتسرب القضية محور النقاش لصالح ما يتخطاها، لأن الاهم في هذه الحالات هو تبرئة الذات والذّهاب بعيدا في إدّعاء المعصومية، وهذا يفترض على الفور تخطئة الاخر ان لم يكن تكفيره وتخوينه لمجرد كونه مُختلفا، ومن ترجم مقولة فولتير الشهيرة عن استعداد الانسان الحرّ للموت دفاعا عن حق خصمه في التعبير فاته ان هذه المقولة وما يُشبهها ليست نبتا شيطانيا او مجرد عبارة اطلقها فيلسوف في لحظة من التجلي . انها خلاصة قرون من الكدح والمثابرة والتنوير وهي مسبوقة بتراكم هائل من التجارب وتدجين الانانية والنرجسية تماما كما هي الديموقراطية ليست امرا إداريا او وصفة يتم استيرادها، فالتاريخ له بُعدُه الفيزيائي من حيث تحوّل التراكم الى قفزة نوعية وكذلك من حيث قوانينه كالقضاء تماما وبالتالي لا يحميهم ! ومن يرصد معظم الحوارات والسجالات التي تطفو هذه الايام على سطح المشهد السياسي العربي يجد ان التوتر والاحتقان اصبحا مُناخا مبثوثا في النسيج كله وحتى ادق التفاصيل ، ومن اسباب ذلك ازمة الثقة المتفاقمة سواء بين الافراد والجماعات او حتى بين الانسان وذاته، وفي غياب البوصلة لا تختلط الجهات فقط، بل المفاهيم ايضا، ويصبح بإمكان ايّ شخص ان يدّعي امتلاك الحقيقة وبالتالي احتكارها، مما يفضي بالضرورة الى الاقصاء والنبذ . وما كان لهذه الظواهر ان تستبد بواقعنا وتفرض منطقها الاستثنائي لولا ما شهده الواقع العربي من اضطراب ساهم فيه الخارج والداخل معا، واذا كانت الاشياء تُقاس بنتائجها فإن ما نراه بالعين المجردة يفتضح مقدمات او بمعنى ادق استراتيجيات تأسست على قاعدة ذهبية هي فرّق – تسُد ! لكن ما قيمة او جدوى هذا الوعي اذا كان ممنوعا من الصّرف الميداني ؟ فاعتراف المريض بأنه مريض فقط لا يُشفيه !
(الدستور 2016-04-04)