الحرب في « كراباخ » التوقيت والأهداف !
جبهة جديدة فتحت ابوابها امام صراع عسكري في الجوار ، وبالتحديد، في اقليم «ناغورني قرة باغ « ، وهي منطقة التقاء بين روسيا وتركيا وايران. الاذريون يسمون هذا الاقليم (جبال الحديقة السوداء ) اما باللغة الارمنية فاسمه ( غابة اله الشمس ). والذين لا يعرفون الجذور التاريخية للصراع في هذا الاقليم وعليه ، يعتقدون انه صراع حدود بين اذربيجان وارمينيا ، ولكن توقيت المعركة ، في هذه المرة ، وتداعياتها وعلاقاتها بالاحداث الجارية في المنطقة ، تدعو الى ربطها ، بشكل ما، بالحرب التي تدور رحاها في الدول العربية بتعقيداتها الاقليمية والدولية.
في الزمن البعيد كان هذا الاقليم نقطة التقاء بين الامبراطوريات الثلاث الكبرى في المنطقة «العثمانية والفارسية والروسية» ، وشهد مراحل صراع طويلة بين هذه القوى. وبعد قيام الاتحاد السوفياتي ووصول ستالين الى رأس السلطة السوفياتية في العشرينات أمر بضم اقليم ناغورني قرة باغ او «كرباخ « الى اذربيجان ، مع منح السكان ما يشبه الحكم الذاتي ، رغم أن الارمن يشكلون غالبية السكان ، فهم اليوم يشكلون نسبة 95 بالمئة من السكان البالغ عددهم حوالي 145ألف نسمة. ظل الواقع على حاله طوال عهد الاتحاد السوفياتي الذي نجح في احتواء التعددية الدينية والعرقية والثقافية في الجمهوريات السوفياتية. ولكن في اواخر الزمن السوفياتي ، عهد غورباتشوف ، عانت الدولة من الضعف والوهن والتفكك ، وظهرت كل الامراض ، فنشب الصراع بين اذربيجان وارمينا حول الوضع في « قرة باغ « في العام 1988 ، ونتيجة لهذا الصراع اعلن الارمن انفصالهم واعلان دولتهم في الاقليم ، ولكنها ظلت دولة غير معترف بها دوليا.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين تجدد الاشتباك بين الدولتين الاذرية والارمنية حول الاقليم ، وبعدما اعلنت ارمينيا ضم الاقليم ، ولكن تم التوصل الى ما يشبه الهدنة ، نتيجة تدخل سياسي دولي قاد لاطراف المعنية الى «مؤتمر مينسك « في العام 1994حيث توصل الجميع الى هدنة دامت اكثر من عشرين عاما. وهنا نتساءل: لماذا تجدد الصراع في هذا الاقليم ، ولماذا تم فتح هذه الجبهة اليوم ؟
المتابع للتطورات العسكرية والسياسية في الشرق الاوسط لا يحتاج الى الكثير من العناء كي يكتشف أن الخلاف بين موسكو وانقرة ، والتحالفات في المنطقة ، تلقي بظلاله على الصراع في هذا الاقليم القريب من المجال الحيوي لروسيا وتركيا وايران. وقد يكون الرئيس التركي اردوغان اراد الرد على موسكو وايران باشعال الجبهة في هذه الاقليم ، خصوصا ان تركيا دعمت وايدت اذربيجان في الحرب الاهلية بالاقليم قبل عشرين عاما. ولا نستبعد ان الاطراف التي اشعلت النار في اوكرانيا ( الحديقة الخلفية لروسيا ) هي ذاتها تشارك في ايقاظ الفتنة في قرة باغ. وامام هذا المشهد الطارئ ، راينا كيف كان التحرك الروسي السريع ، بقرار من الرئيس بوتين ، لوقف المعركة قبل اتساعها وتمددها ، لانه لا يمكن لروسيا ان تتساهل ، او تتردد ، في انهاء هذا الصراع بسرعة وبقوة ، وبالتالي حل هذه المشكلة الجديدة القديمة ، قبل ان تتحول الى مشكلة روسية مزمنة.
(الرأي 2016-04-04)