«جماهيرية» حقيقية: برلمانات وثلاث حكومات
أهلاً بكم في الجماهيرية الليبية الجديدة.. ما عجز «الأخ القائد» عن تحقيقه في حكمه الطويل (لم يكن حاكماً بل قائداً للثورة على ما دأب التهريج)، ها هو الان يتحقق على ايدي اصدقاء الشعب الليبي وهم كثر بالطبع، يتمددون على خطوط عرض المعمورة وطولها، ولا همّ لهم سوى بناء الدولة الديمقراطية وتطبيق سياسة الاسواق المفتوحة وتدفق رؤوس الاموال ,دخولاً وخروجاً, وخصوصاً إعادة إعمار ليبيا وإدخالها في عداد الدول الديمقراطية وتلك اصابتها الحداثة بخيراتها ووعودها الخُلبيّة.
ما علينا..
كيف لعاقِل ان يرفض هذا النموذج الليبي الفريد في الحكم والمصالحة الوطنية والديمقراطية، حيث لكل «شعب» حكومته وبرلمانه، وربما يكون لشعب آخر (ليبي بالطبع) حكومة وبرلمان في مقبل الايام ونقصد بهؤلاء أمازيغ ليبيا (لا داعي لان تسأل عن عدد السكان هنا, فالاساس تلبية المطالب «المشروعة» للشعوب ولا أهمية سوى للعِرق والطائفة والمذهب، أما غير ذلك فمن بِدع الاستبداد ومآثر الديكتاتورية وعيوب الدولة الوطنية الجامعة, التي باتت هي وخطابها وشعاراتها من الماضي، ما بالك إذا كان هذا يرطن بالعروبة ويمجّد القومية ويُعلي من شأن واهمية واولوية التحررالوطني والانعتاق والاستقلال الحقيقي ومقاومة كل مشاريع الاستلاب والهيمنة والاحتلال والإلحاق والطمس على العروبة او شيطنتها والاساءة للاسلام, او السماح لعصابات اجرامية ان تسرِقه وتنطق باسمه او تتخفى خلف عباءته وتقوم بتفسير تعاليمه السمحة وفق اهوائها وخِدمة لمشروعها (السياسي) في الوصول الى السلطة، وبعد ذلك لم يعد يعنيها سوى التمكين والسيطرة والطمس على العروبة, على ما فعل الاخوان المسلمون في مصر (وليبيا الان) وفشلوا في سوريا رغم اغراقها في الدم والاستباحة والدمار، وما يخططون له – بدأب ومثابرة وإن بذكاء يحسب لهم ــ في تونس وليس فلسطين ببعيدة وما يجري في غزة خير دليل (ليس معنى ذلك ان سلطة اوسلو على حق).
في الجماهيرية الحقيقية الآن، ثلاث حكومات, واحدة منها لوّحت يوم امس «بالانفصال» وهي هنا حكومة طبرق التي كانت حتى بروز اسم حكومة فائز السرّاج,هي الحكومة المُعترَف بها «دولياً برئاسة عبدالله الثني ويرأس برلماناها الشرعي (حتى أيام معدودات) المستشار عقيلة صالح ,الذي هو القائد الأعلى للجيش الوطني المدعوم عربياً ودولياً وبرئاسة الجنرال خليفة حفتر.
اقليم طبرق (الذي يحوز على 75% من مخزون نفط ليبيا)يُهدِّد بالانفصال ويتولى عن مجلِسِه: إن مجلس النواب,هو السلطة التشريعية و»الشرعية الوحيدة» في ليبيا، مؤكداً في الآن ذاته ان الجيش الليبي وقيادته العسكرية «خط أحمر» ولا يمكن المساس بهما , رافضاً العقوبات التي فرضها الاتحاد الاروبي قبل يومين على عقيلة صالح, مُعتبِراً هذه العقوبات, مثابة اعتداء صارخ على السيادة الليبية, مُشدِّداً على انه لن يتم الاعتراف بأي حكومة, تحميها «الميليشيات المسلحة» في العاصمة طرابلس.. ضَعُوا خطوطاً تحت بعض المصطلحات السابقة: شرعية وحيدة، خط أحمر، السيادة الليبية، الميليشيات المسلحة، وحَرِّكوا»السهم» نحو طرابلس و»حكومة» خليفة الغويل و»برلمان» نوري بوسهمين و»قوات» فجر ليبيا وعشرات «الميليشيات» والجيوش المسلحة, ودَقِّقوا في خطابها الرافض لحكومة فائز السراج المدعومة من «الخارج» والقادمة على بوارج الاجانب وتهديدِهم الصريح «للخونة» من الضباط الذين استقبلوا السرّاج في القاعدة البحرية بطرابلس وكيف قالوا صراحة للسراج «أن إرحَل والاّ ستواجه الاعتقال والمحاكمة او «القتل», ثُم أمهَلوه فترة (انتهت في واقع الحال) دون ان يفعلوا شيئاً.
ثم لنقف قليلاً عند رئيس الحكومة الثالثة الذي بات معترفاً بها من مجلس الأمن, الذي طالَب بمقاطعة سلطات (ولم يقل حكومات) طبرق وطرابلس، فالرجل»ومَجلِسِه الرئاسي» يُقيم في «جيب» من العاصمة طرابلس,لا يعدو كونه قاعدة بحرية, لكنه خطا خطوة يمكن وصفها بالجريئة أو القَدَرِية, عندما صلّى في مسجد عريق يقع في احدى اكبر ساحات طرابلس, وجال في شوارعها والتقى بعض الناس (تحت حراسة مشددة بالطبع) ثم لجأت حكومته الى دبلوماسية الرسائل الالكترونية لمخاطبة جمهور مُحبَط ويائِس بدأ يدرك حجم الصراع على السلطة والنفط, الذي ينشأ الآن ولم يعد يثق بوطنية او قدرة احد على لجم مشروع تدمير ليبيا وتحويلها الى دولة فاشلة, او مقراً ومنصّة للإرهاب والفوضى على الطريقة الصومالية. .. أهلاً بكم في الجماهيرية الحقيقية, بعد مصرع مُنظّرَها الاول.
(الرأي 2016-04-04)