شراكة عربية مع إسرائيل
قيمة الأموال التي انفقها العرب على حروبهم فيما بينهم، وحروبهم مع دول الجوار، مع الأموال التي نهبت فسادا وسرقة، وتلك الأموال التي تم انفاقها على الرفاه، تقدر بآلاف المليارات من الدولارات، وهي أموال لم يتمكن أحد من تحديدها بشكل نهائي. مقابل ذلك، تسمع كلاما جميلا عن مدينة القدس، شعرا ونثرا، واهلها هذه الايام تحديدا، يعانون اشد المعاناة، فإسرائيل ردا على العمليات منعت تشغيل المقدسيين، وغرامات البيوت التي تم بناؤها دون ترخيص، لايدفعها احد، ويتم هدمها، او مضاعفتها كغرامات وفوائد، والضرائب على المتاجر تؤدي الى إغلاقها او بيعها او مصادرتها. لايجد اهل القدس، قرشا واحدا يصل اليهم، من احد باسثناء ما يقدمه الاردن حسب امكاناته، فالعروبة كريمة في كل شيء، باستثناء القدس، وكانهم هنا يشاركون في تهويدها، او انهم يتفقون مع اسرائيل سرا، على عدم دفع قرش واحد للمقدسيين، مقابل الحصول على حماية اليهود في العالم، وهذا امر بات واضحا كما الشمس. هلا يعقل ان لا تجرؤ دول عربية، او تجمّع رجال اعمال اثرياء، او مؤسسات عربية، على مساعدة المقدسيين ماليا، لمواجهة الظروف الخطيرة التي يواجهونها؟!. فوق ذلك تزداد ظاهرة بيع الاراضي والعقارات في القدس القديمة، من ملاك غير مقدسيين، يبيعون لاسرائيل، وينتقلون الى قرى القدس للعيش حتى لا يفقدوا اقامات القدس، وهذا من نتائج التحول في الهوية الاجتماعية للمدينة واهلها، فأغلب اهل المدينة هاجروا، وتعرضت المدينة الى تسلل من مناطق اخرى، عبر سماسرة ووكلاء يقومون بالتدخل نيابة عن اسرائيل، لشراء العقار في البلدة القديمة، ثم نقله لاحقا الى اسرائيل. هناك خلخة وجودية خطيرة جدا تجري في المدينة المحتلة، وهي خلخلة تسببت بها عوامل كثيرة، ابرزها ترك المقدسيين لاسرائيل لتفعل بهم ما تشاء، برغم اداركنا ان الناس هم سوار الحماية للمدينة المحتلة، وما زال اغلبهم واقفا في وجه الاحتلال، لكنه وقوف الضعيف امام الشرس، ولا يمكن لهؤلاء ان يصمدوا مطولا وقد استفردت بهم اسرائيل على كل الأصعدة. حين تقرأ عن موازنات الدول العربية والإسلامية، وقيمة المشاريع، وقيمة الحروب والصراعات، وغير ذلك من ارقام، لا تسمع عن رقم متواضع بسيط للقدس او لأهلها، وذريعة الذين يخذلونها انه ليس بإمكانهم ايصال الاموال، لكنها مجرد ذريعة لتغطية التوافق مع الحامي اليهودي، من اجل الاستفراد بالقدس واهلها، وخطيئة تهويد المدنية، ليست اسرائيلية، بقدر كونها إسرائيلية عربية. يقال هذا الكلام ونحن نعرف مسبقا ان لا أحد يسمع، ولا أحد يريد ان يسمع، لكنها القدس التي يتم تذويب هويتها، على مرأى من الجميع، ويطالبون اهلها فقط بصيانتها وحمايتها، وهم في اعلى درجات الهشاشة والضعف هذه الايام، لولا عمليات فردية تستعملها اسرائيل ايضا لمزيد من اضعاف المقدسيين وانهاء الوجود العربي والاسلامي في القدس. ثم يبقى السؤال: كيف سيصمد المقدسيون، والضرائب والغرامات ومنع العمل ووباء المخدرات والملاحقات الامنية، وغير ذلك تعصف بهم ليل نهار؟!. الشراكة العربية مع اسرائيل ليست جديدة، فهي شراكة قديمة وعميقة.
(الدستور 2016-04-05)