اليمن: صراع على السلطة, بلا ضربة.. «قاضية»!
بإعفاء الرئيس اليمني, الذي يوصف بالشرعي, عبدربه منصور هادي، نائبه ورئيس وزرائه خالد بحّاح من منصبيه، وهو الذي لم يُكمل عاماً واحداً في هذين الموقعين، يدخل اليمن (بجناحه الموصوف بالشرعي) مرحلة جديدة من الصراع، الذي كان مكبوتاً وإنْ كان ظاهر التوتر للعيان، بعد التراشقات الاعلامية وتلك «الرمزية» التي رافقت مسيرة الرجلين المحسوبين «ذات يوم» على الرئيس السابق علي عبدالله صالح, حيث احْتَلاَّ مواقع وزارية وازنة في حكوماته, وخصوصاً «المُشير» هادي الذي ارتضى لنفسه الصمت التام (كما أبي الهول) طوال عقدين من السنين وبخاصة بعد «انتصار» حرب الوحدة (إقرأ الحرب الأهلية) التي خاضها صالح في ايار 1994 ضد شركائه في الوحدة، «ضاماً» هادي (وهو الجنوبي كما بحّاح) الى ديوانه الرئاسي في منصب نائب الرئيس.
كل ذلك بات من الماضي بعد ان افرزت الثورة اليمنية في الحادي عشر من العام 2011، نتائجها غير المتبلورة وتداعياتها, التي ما تزال متواصلة واستحقاقاتها التي يدفعها اليمنيون كافة من لحمهم الحي ومستقبلهم، الذي دخل مرحلة اقرب الى الاندثار والخروج من التاريخ, منه الى أي شيء آخر يمكن الحديث عنه, في البيانات الصحفية او الاجراءات الكيدية او تلك التي تتحدث عن قرب انتهاء حرب عبثية دامت سنة كاملة, لم تنجح اطرافها في تبرير كل هذا الدمار والخراب وإحياء تراث من الكراهية والحقد المبني على أُسُسٍ عقيمة, كان بمقدور العُقلاء ان يَخرجوا من «فِخاخِها» عبر إبداء المزيد من الحكمة وبُعد النظر وحجز مكانة لهم في صفحات التاريخ, وليس على ضفافه او مزابله.
ما علينا..
ان يقوم الرئيس اليمني بممارسة صلاحياته الدستورية (رغم انه كان استقال من هذا الموقع قبل خروجه الى عدن ثم لاحقاً منها) شيء طبيعي، وإن ضرورياً ان تكون هذه الممارسة في ظروف طبيعية ايضاً، وان يُجري مُناقلات في المناصب الرفيعة، هو حق مشروع له، لكن ان تكون مثل تلك المُناقلات والممارسات مُسبّبة ومقبولة وذات سند دستوري او احتكاماً الى اتفاقات ائتلافية او حفظاً لتوازنات سياسية او قبلية او مذهبية او طائفية او مناطقية, كتلك الآفات التي يُعانيها اليمن، بل معظم دول عرب اليوم.
لكن ان يُقال في بيان إعفاء بحّاح ان السبب :»هو الاخفاق الذي رافق حكومة بحّاح خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية والامنية, ثم يستند البيان الى المبادرة الخليجية وآلياتها (بالمناسبة تم طرحها في 23/11/2011 ومنذ ذلك التاريخ جرت مياه ودماء غزيرة في اليمن وصولاً الى سد مأرب, دون إهمال انهيار خريطة الاصطفافات ومعادلة التحالفات) فإن اعفاء بحّاح «يواصل البيان».. جاء ايضاً في تعثُّر الاداء الحكومي في تخفيف معاناة ابناء شعبنا, وحلحلة مشاكله وتوفير احتياجاته وخصوصاً دعم المقاومة وعلاج الجرحى ورعاية الشهداء, وعدم توفر الادارة الحكومية الرشيدة, للدعم غير المحدود الذي قدّمه الاشقاء في التحالف العربي» انتهى الاقتباس.
كلام انشائي وعمومي, يُغفِل عن قصد حقائق الميدان التي تواجِهها حكومة بحاح, التي لا تعيش في اليمن, ولا يتواجد وزراؤها حتى في العاصمة المؤقتة عدن, وخصوصاً بعد قصف «الفندق» الذي كانت تُقيم فيه, فضلاً عن أن السيطرة في عدن هي لتنظيمي القاعدة وداعش, اللذين يمتد نفوذهما الى كامل محافظة حضرموت الجنوبية, والتي ينحدر منها اصلاً رئيسا الحكومة, المُقال والمُعيّن (خالد بحّاح واحمد بن دغر).
فكيف تعمل حكومة «منفى» في الحقيقة؟ وكيف يُمكنها اصلاً أن تنهض بمسؤولياتها في بلد غير مستقر, يعيش حرباً غير مسبوقة, في دمارها وانهيار بناه التحتية وقطاعاته الاقتصادية والصحية والخدمية ومرافقه العامة؟
ما يعني أن هناك ثمة اعادة ترتيب اوراق او انتهاج سياسة «جديدة», في ظل اقتراب موعد مفاوضات الكويت المقررة في الثامن عشر من الشهر الجاري (هذا اذا التأمت وبخاصة ان بحّاح كان من أكثر المرحبين بها وأقل «المسؤولين» تزمُتاً في فرض الشروط وخصوصاً تجاه القرار 2216 الذي يُصِرّ هادي على تطبيقه اولاً) بل ثمة صراع اقليمي على النفوذ, يدور على الساحة اليمنية يقال (وليس كله بالونات اختبار بالمناسبة) ان الرئيس ونائبه السابق (بحّاح) يقفان في خندقين «مُتقابِلين» ازاء هذا الصراع الاقليمي (العربي) على النفوذ في اليمن, ما بالك أن معركة تعز وسيطرة انصار الله واتباع صالح على منطقة الوازعية, قد دفنت, ربما الى غير رجعة, أي أمل لقوات هادي بايجاد نقطة نفوذ على باب المندب, أو إحداث اختراق في تلك المنطقة الاستراتيجية؟
الصراع في اليمن لن ينتهي بضربة قاضية, إلا أن تسجيل النقاط لا يعني هو الآخر, ان بحّاح قد خسِر الجولة النهائية, وربما يكون له مستقبل أكثر من»جيد» ويتحول الى مَطْلَبٍ «دولي» في الاشهر المقبلة.
.. فلننتظر.
(الرأي 2016-04-05)