تطبيع شعبي مع إسرائيل
يوما بعد يوم يزداد عدد العمال الاردنيين في اسرائيل، وتحديدا في ايلات، والذين يعلمون في قطاع الخدمات الفندقية والبناء، وذات الاحتلال يعتبر التجربة ناجحة، ويريد المزيد من هؤلاء. يأتي هذا في ظل اوضاع اقتصادية صعبة جدا، والواضح ان لا احد يقنع هؤلاء وعائلاتهم ان هذا لايجوز، ولم نسمع حتى الان رأي دوائر الافتاء الرسمي وغير الرسمي، في هكذا قصة، برغم انها ليست بحاجة لافتاء، مثلما لم يؤثر في العمال احساس وطني، ولا وزاع قومي، في الوقت الذي تبدد فيه الخوف الديني بطبيعة الحال. مقابلهم هناك عشرات الاف الفلسطينيين ايضا يعملون عند الاحتلال في وظائف مختلفة، بعد ان اغلقت بوجههم السبل، وبات المحتل هو مصدر الرزق الوحيد المتاح، وهي مفارقة كبيرة جدا، ان يصبح عدوك هو مصدر رزق اولادك الوحيد، واذا كان هذا الامر في سياقات وجود الفلسطينيين تحت حكم الاحتلال، فإن لهذه السياقات تعقيداتها، لكننا لا نفهم ذهاب عمالنا هنا الى اسرائيل، من اجل وظيفة، مثلما راينا في فترات سابقة ذهاب اشقاء مصريين للعمل ايضا في اسرائيل. كيف تتحول امة بأغلبها من شعارات طرد الاحتلال، الى البحث عن وظيفة عند الاحتلال، وهل من هزيمة فعلية ونفسية اكبر من هذه الهزيمة التي نراها بأم اعيننا، حين تصبح شعوب المنطقة فلسطينية واردنية ومصرية، والحبل على الجرار، مجرد عمالة عند اسرائيل؟!. لم يعد الامر مخجلا، وهذه كارثة بحد ذاتها، لاننا نرى كيف اخترقت اسرائيل كل اقتصاديات المنطقة، وحولت شعوب جوار فلسطين المحتلة، الى شعوب مطبعة، طوعا او قهرا، وقد سمعنا بعد معاهدة السلام مع تل ابيب، عن ذهاب الاف الاردنيين الى الضفة الغربية وفلسطين الثمانية واربعين للعمل ايضا كبنائين وعمال، اذ ان قصة ايلات متأخرة، والفرق بينها وبين سابقاتها من قصص، انها مشهرة علنا، وعبر تصاريح مسبقة، وترتيبات امنية فقط. توظيف الجوع في جوار فلسطين المحتلة، هو السر الكبير، ومع الجوع، تأتينا كل الامراض من الجريمة مرورا بالفساد الاخلاقي، والخراب، وتراجع القيم، وصولا الى الغضب الاجتماعي ثم الى العمل مع الاحتلال. مؤلمة الصورة حد الفجيعة، ولابد من موقف سياسي ونيابي واعلامي، ضد تشغيل ابناء هذا البلد، عمالة سوداء عند الاحتلال، فهذا تطبيع شعبي، برعاية رسمية. ..والوضع الاقتصادي مرشح لمزيد من المصاعب، وعلينا اذا ان نتوقع المزيد من ارتدادات الخراب.
(الدستور 2016-04-06)