إشـــاعـــــة!
سطحية هي الذهنية العربية، التي تشمت اليوم، بما يقال عن اصابة وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة ، تسيبي ليفني، بالايدز، وهي ذهنية احتفلت بالخبر، واعلنت ايضا شماتتها بمسؤولين وقادة عرب، باعتبار ان ليفني وفرت لهم جميعا ليالي حمراء، حين كانت تعمل مع الموساد الاسرائيلي. هذه ذهنية هشة مريضة، مصابة بالعقد النفسية، فقد نسيت احتلال فلسطين، وتتشاغل اليوم بمعلومات كاذبة عن ليفني واصابتها بالايدز، وبرغم النفي المتكرر لقصة الايدز، الا ان العرب لا يقولون لك من اين اخترعوا المعلومة، ويرددونها فقط، ويقومون بتشيير الاخبار حول هذه القصة، باعتبار ان السماء انتقمت منها، ومن عشاقها العرب. اما فلسطين ذاتها فمؤجلة؟!. هذه ذهنية تجعل اسرائيل مرتاحة - لاننا على فرض اصابتها بالايدز - فمازلنا نفكر بذات الطريقة، فإذا وقعت طائرة روسية قلنا ان الله انتقم من الروس كرمى للسوريين، واذا هب اعصار في الولايات المتحدة قلنا: ان الله انتقم من الاميركان كرمى للعراقيين، واذا وقع زلزال في اندونيسيا، قلنا: ان هذا لكونهم يقدمون الخمور للسياح. ماذا نقول اذن عن موت ملايين العرب في الحروب والمجاعات والصراعات الدينية والمذهبية والطائفية، وماذا نقول عن تفشي الجهل والجهل المركب والامية والامراض والجوع، وماذا نقول عن سرقة الاف المليارات في العالم العربي، وغير ذلك من قصص عندنا، تثبت ان العالم العربي، خربٌ اضعاف الامم الاخرى، لكننا نحوقل ونبسمل، ونقول، ان هذه ظروف طبيعية، وابتلاء لاختبار ايماننا، واذا وقع ربعها عند غيرنا قلنا، ان هذا انتقام الهي!. ذات الذهنية التي تشمت بالامم والشعوب، تشمت بالافراد، وتعوض النقص في الذات الوطنية والمنجز الصالح للتاريخ، او المستقبل، والثقوب في الشخصية الفردية والجمعية، بالشماتة باصابة وزيرة خارجية اسرائيل بالايدز، ثم اصرار الشامتين على ان اسماء معينة يذكرونها حصرا، تمكنوا من نكحها، وبالتالي الاغلب انهم مصابين بذات المرض، فلا تعرف من اين هذا الاصرار، وهل كانوا شهودا في الاساس على تلك الممارسات او شركاء فيها، ام ان لديهم مصادر سرية ومضمونة من داخل الموساد، ابلغتهم باسماء الذين تعروا في فراش ليفني؟، فالأنا العربية المتورمة، لا تكف عن تورمها، ولا تقر حتى بسذاجة احوالها، وتصر على مواصلة ضرب الفرد لحاله، في عشرة، ليصبح مئة تمشي على الارض، لا ترى احدا، ولا تقف عند احد. اصيبت ام لم تصب.ماهو المهم هنا.هذا هو السؤال الواجب طرحه؟.بدلا من التشاغل بتوافه الامور، فمرض نقصان المناعة المكتسبة، اصيبت به امة بأكملها، بالمعنى الدلالي والرمزي وليس المرضي، لكن ليس بسبب الممارسات الاخلاقية الفاسدة، فهذا الفقر والتجهيل وغياب الحريات، وتسلط الانظمة، وسرقة الاموال، واضطهاد المرأة، وضياع الاطفال في الجرائم والشوارع، وتفشي البطالة، والتشدد والتطرف، والكراهية والتعصب، وقلة الدين، والتنافخ فخرا دون منجز، واحتقار بقية البشرية، واختفاء العدالة، وغير ذلك من قصص، اخطر على هذه الامة ومناعتها، من اصابة ليفني، وعشاقها بالتالي بمرض الايدز، او نقص المناعة المكتسبة. اسوأ ما في بعض وسائل الاعلام، او الاعلام الاجتماعي، انها لا تدقق في اصل المعلومات وجذرها، فنحن جميعا، نردد مثل الببغاوات اي قصة مثيرة نسمعها، بما في ذلك قصة اصابة ليفني، وقصة الاسماء الفلسطينية والعربية التي تورطت مع ليفني في ممارسات غير اخلاقية وتم تصوير اصحابها، والارجح ان جذر القصة كله، يعود الى خصوم هذه الاسماء التي يراد حرق سمعتها سياسيا، لكننا لا نفكر بل نردد مثل آلة التصوير الورقية التي تنسخ الاف الصور، دون ان تتدخل في مضمونها. لو كان هناك مكان للعقل، لاجتمعنا افرادا وحكماء وجماعات، ولناقشنا فقط، مناعة امتنا المكتسبة، وهل اصيبت بها، ام ما زالت قوية، في وجه الاخطار التي تعصف بها، اما ليفني، فلا يهمنا امرها، اصيبت ام لم تصب، فهذا لا يعيد فلسطين الينا، ولا يؤدي ايضا الى تراجع الذئب الاسرائيلي عن اطماعه بحقنا؟. تركنا القدس والاقصى في عز التهديد والخطر، وبات منجزنا الوحيد تشيير وتناقل اشاعة عن اصابة ليفني بالايدز، باعتبار ان هذا جهاد الكتروني مطلوب في هذا الزمن!!.
(المصدر: الدستور 2016-04-07)