مؤشرات على نجاح التفاوض.. على مناطق (أ)!!
قبل ثلاثة أسابيع أخبرتنا صحيفة “هآرتس” الصهيونية، أن مفاوضات سرية تجري بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عنوانها “الإعادة التدريجية للسيطرة الأمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية في عدد من مدن الضفة الغربية”. وقالت إن المقترح الإسرائيلي في المحادثات تمثل في أن تكون رام الله وأريحا أولى المدن التي يخرج منها الجيش الإسرائيلي. يوم الأربعاء الماضي، أخبرتنا ذات الصحيفة أن المفاوضات بين الضباط الإسرائيليين والفلسطينيين لم تصل الى مأزق. ونقلت عن “موظفين كبار ودبلوماسيين غربيين” قولهم إنه “جرت في الأسابيع الأخيرة ثلاثة لقاءات بين الطرفين تواصلت المفاوضات خلالها على تقليص نشاط الجيش الإسرائيلي في المدن الفلسطينية”، مشيرة إلى أن تقدما قد تحقق، ولكن ليس إلى الحد الذي “يتيح الاتفاق”. وفيما كان الطرح الأولي هو الشروع في تطبيق الخطة بمدينتي أريحا ورام الله، ثم يجري نقل التجربة إلى بقية المدن الخاضعة لتصنيف (أ)، تقول “هآرتس” إن السلطة طلبت أن يشمل الترتيب كل مناطق (أ). معلوم أن مناطق (أ) التي تشكل 18 في المئة من مساحة الضفة، يُفترض أن تكون خاضعة من الناحيتين الإدارية والأمنية للسلطة، خلافا لمناطق (ب) ونسبتها أكثر بقليل من 18 في المئة، والتي ينص أوسلو على خضوعها لصلاحيات إدارية للسلطة وأمنية للاحتلال، وتبقى (ج) التي تخضع للاحتلال في كل شيء، والتي باتت داخل الجدار الأمني، وتستحوذ على 61 في المئة من مساحة الضفة الغربية. معروف أن المسار الذي مضى منذ وصول محمود عباس إلى السلطة عام 2004 يتمثل في انسحاب الجيش الإسرائيلي تباعا من مناطق (أ) التي دخلها فيما عرف بعملية “السور الواقي” ربيع العام 2002، مع بقائه على مشارف المدن وفي الحواجز، ومع استمرار دخوله وخروجه متى شاء لاعتقال شباب المقاومة، وحتى السياسيين العاديين. اليوم يتم التفاوض من أجل استعادة الوضع الذي كان في العام 2002، أو قريبا منه، ولكن في إطار سياسي هذه المرة، وإن تم تجاهل هذا البعد، أو السكوت عنه. وفي حين بدأ مسار أوسلو، بـ”غزة- أريحا أولا”، فسيبدأ المسار الحالي بـ”رام الله- أريحا أولا”، وبالطبع لأن رام الله هي عاصمة السلطة العتيدة ورمز سيادتها، ولأن الوجود الإسرائيلي في أريحا محدود، ولم يخرج منها كثير من المشاكل خلال السنوات الماضية، لكن شمول الاتفاق لكل مناطق (أ)، لا يغير الكثير في جوهر الخطة ولا دلالاتها. نحن إذا أمام استكمال لما كان يتم تباعا منذ رئاسة محمود عباس؛ ما يشير إلى تكريس المشروع الذي تحدثنا عنه مرارا وتكرارا طوال سنوات، وقلنا إنه الوحيد المطروح على الطاولة والمقبول من فرقاء الساحة الإسرائيلية ممثلا في “الحل الانتقالي بعيد المدى” أو “الدولة المؤقتة” على 40 في المئة من الضفة الغربية، مع قطاع غزة بطبيعة الحال، من دون الحاجة إلى طرح أسماء ومسميات.. المهم هو تكريس هذا الحل على الأرض، فيما سيكون بوسع قيادة السلطة أن تواصل دغدغة عواطف الجماهير بالحديث عن الثوابت، التي لا تغير في حقائق الواقع شيئا، ومن ضمنها استمرار الاستيطان. إنه المسار الوحيد المتاح سياسيا أمام قيادة السلطة، وهي تعرف ذلك جيدا، ومضت فيه وهو تدرك تبعاته، وقدمت الخطاب اللازم لذلك (انتفاضة الأقصى دمرتنا والتعاون الأمني مصلحة لنا)، وصاغت سلطتها ببعديها الأمني والاقتصادي على إيقاع هذا المسار. سينكرون ذلك، ولكن اللعبة الجديدة ليست سوى تأكيد لعبة الحل الانتقالي، وتأبيد النزاع، وتحويله إلى مجرد نزاع حدودي بين دولتين؛ إحداهما بلا سيادة على أقل من 10 في المئة من أرض فلسطين التاريخة، والأخرى تسيطر على كل شيء، بما في ذلك سماء ومياه ومعابر الأولى.. وإنها لثورة حتى النصر!! لكن الذي لا شك فيه أيضا هو أن استمرار الانتفاضة كل هذه الشهور على نحو فاجأ الطرفين (السلطة والاحتلال)، كان له دور في تسريع اللعبة، كما نتابع الآن، وسنتابع لاحقا. هذا هو المخطط، أما النجاح فقصة أخرى، فهنا على هذه الأرض شعب أبيٌّ لن يقبل هذه المهزلة التي يتم تسويقها يوميا تحت شعار رفض المقاومة والتعاون الأمني، مع تبرير ذلك بعدم القدرة على مواجهة العدو عسكريا، وحاجة الناس إلى العيش بأمان!!.
(المصدر: الدستور 2016-04-09)