«كلهم رجال بوتين».. أو «بوتين فوبيا»
ليس ثمة ما يمكن إخفاؤه الآن، بعد أن بدأت تتكشف حقائق وملابسات وأسرار الصفقات المشبوهة التي تقف خلف ما بات يعرف الآن بـ «أوراق بنما»، اذ اننا نعيش في عالم يعجّ بالجاسوسية وتدبير المؤامرات و لم يعد أحد قادراً على ابقاء «أسراره» بعيدة عن النبش والبحث والاختراق، ما بالك إذا كان «الهاكرز» منتشرين عبر المعمورة ومتواصلين بطرق جهنمية؟ يكاد عالم الجريمة السُفلي الذي شهدته ايطاليا والولايات المتحدة في القرن الماضي، مجرد لعبة صغيرة كان أبطالها «آل كابوني» وباقي عصابات المافيا التي تحكمت بتفاصيل ومفاصل الحياة السياسية والاقتصادية وخصوصاً القضائية في الغرب الاميركي المتوحش، إلى ان جاء حيتان المال وعملاء وكالات الاستخبارات وتلك الوكالات «المتخصصة» في التنمية وتقديم المساعدات للدول النامية مثل «يو إس ايد» التي هي في تحالف معلن مع «مؤسسات» الملياردير الاميركي الشهير جورج سوروس وخصوصاً مؤسسته التي تُغدِق على اتحاد «المحققين الصحفيين» والمسماة «مؤسسة المجتمع المفتوح»..وهذا الاتحاد هو «بطل» اوراق بنما...هذه الايام.
هل قلنا جورج سوروس؟
نعم، إذ عند «ويكيليكس» الخبر اليقين، فالذي كان خلف نشر «اوراق بنما»، هو تحالف سوروس مع «يو إس ايد» والهدف من كل هذه الضجّة التي ما تزال اصداؤها تتردد في جنبات المعمورة وعلى تخومها وخصوصاً في زوايا ودوائر رجال الأعمال والساسة وخبراء الاوفشور، وكان الهدف سياسياً بامتياز, وإن كان من الضروري ولزوم عدة الشغل, ان يتم «مَزْج» السياسة (كالعادة) مع عمليات رصد الجريمة المنظمة والفساد, الذي بات هو الآخر «سمة» رئيسة من سمات أنظمة حكم في العالم ، عندما يتم تزاوج حصري بين رجال السلطة ورجال المال، ليتم انتاج سلطة «هجينة» لا تتورع عن اتخاذ اي قرار أو خطوة من أجل زيادة ثروات المسؤولين وداعميهم من رجال المال والاعمال، مقابل ان يتمكن الآخرون من استصدار اي قرار وخصوصاً التشريعات الضريبية وقوانين الاستثمارت والتصدير، كي تتكامل ادوات سيطرتهم على المشهد «الوطني» كاملاً، ويتم الحاقهم بشبكة الفساد والتهرب الضريبي واخفاء الثروات الحقيقية (بعيداً عن اعين الحاسدين, وخصوصاً جيل مُحدَثي النعمة الذين هبطوا كالوباء على معظم دول العالم الثالث, وإن كان برطانة ولغة تتسرّب اليها عبارات ومصطلحات «وطنجية», تأخذ بأسباب الحداثة ومفردات الاستثمار المائعة, التي تكاد تكون نسخة مُلطّفة عن الفساد الذي تزكم رائحته الانوف).
ماذا عن بوتين؟
للمرء ان يتخيل كيف سارعت دوائر اعلامية غربية (اقرأ اميركية) وما يرتبط بها من اعلام كسيح عربي برطانته الاميركية،الى ابراز صورة الرئيس الروسي الابرع والاكثر قدرة على صنع الاستراتيجيات وتحليل الخرائط وترتيب موازين القوى وبخاصة في ظل انكفاء اميركي, يعكس ارتباكاً عميقاً اكثر مما هو ميل نحو الانكفاء أو الابتعاد عن الشرق الاوسط، ليُقال ان «كل رجال بوتين» متورطون في فضيحة اوراق بنما».
ولنُفَكِّك الخبر»المحبوك» بلؤم وحقد وتآمر.. بهدوء, ليس بوتين فعلاً من هو «متورط» بفضيحة كهذه، لكن في صياغة الخبر وتحليلاته المُغرِضة, اراد الخُبثاء (الذين لا ينطقون عن الهوى) الايحاء بأن الرئيس بوتين, يُوفِر لهم الحماية, ما يعني ان روسيا ورئيسها اللذين يحظيان باعجاب وتأييد متزايد عبر العالم، جزء من فساد عالمي عميم.
وهذا بالطبع ليس صحيحاً بل تزويراً وخداعاً، ثم.. إذا نظرنا إلى المبلغ الذي «تورّط» فيه (رجال بوتين) نرى انه مبلغ هزيل (فقط ملياري دولار), فيما تصل المبالغ والثروات التي تم «تهريبها» أو اخفاؤها بين 8ر7–13 تريليون دولار، فأين بالفعل يمكن رؤية هذا الفساد والتهرب «البوتيني»؟ وكيف يمكن لمبلغ هزيل كهذا, ان يعرِض صورته وشخصيته والمثال الذي كرّسه بوتين في المشهد الدولي, وبخاصة منذ خمس سنوات للخطر مقابل ملياري دولار...فقط؟
إسأل عن المخابرات والايدي الاميركية, وتلك المعنية بسحب المزيد من الثروات «الهاربة» إلى السوق الاميركية, كي تكون ملاذاً ضريبياً آمناً، يستطيع الاقتصاد الاميركي ان يكسب منها الكثير, في الوقت ذاته الذي يشوه فيها صورة بوتين ويشيطنه.
انها البوتين فوبيا, لكنها في ما نحسب سترتد على اصحابها..وبالاً.
(الرأي 2016-04-10)