ما بين الليلة والبارحة !
منذ الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي والناس يتساءلون حول ظاهرة متكررة’ هي ابقاء النظم السياسية الجديدة حتى لو كانت ثورات او انقلابات على من كانوا في خدمة النظم التي ثارت او انقلبت عليها، خصوصا في المجال الاعلامي، ولو تذكرنا بعض الامثلة لعرفنا السبب الذي من شأنه ان يبطل العجب، وهناك نماذج تتفوق على الحرباء في القدرة على تغيير لون الجلد وما يفرزه اللعاب على اللسان من كلمات، وقد يتصور هؤلاء انهم الخيار في الجاهلية والاسلام، او ان الاستغناء عن قدراتهم ومواهبهم يعطل العجلة، والحقيقة هي من يملك القدرة على التأقلم السريع ويستدير مئة وثمانين درجة هو على الاغلب من الغلاة او مدعي الراديكالية، لهذا فهم يساريون جدا اذا تطلب الامر وماركسيون اكثر من ماركس نفسه اذا تغيرت التسعيرة، لكنهم في الوقت ذاته كاثوليكيون اكثر من البابا، ولديهم بوصلة من طراز فريد يُعرف سهمها جيدا متى يتحرك يسارا او يمينا ومتى يتوقف ايضا ! انهم أدوات صالحة للاستخدام للهدف ونقيضه ، كالصفحة البيضاء التي لا ترفض ما يكتب عليها سواء كان رسالة حب او حكما بالاعدام . ولم تتوقف تلك المدرسة بعد عقدي الانقلابات التي تعاقبت في القرن الماضي بل طوّرت تقنيتها واساليبها واضافت اقنعة جديدة الى الاقنعة التقليدية . اذكر للمثال فقط ان غلاف مجلة عربية كان يحمل صورة صدام حسين وعنوانها هو كلمة واحدة البطل، وبعد اسبوع تحول البطل الى هتلر جديد لأن مصدر التمويل تغيّر اما القارىء الذي سوف يضبط مثل هذه المجلة متلبّسة بالتناقض فهو محذوف من المعادلة او الثالوث الذي لم يبق منه سوى المستأجر والأجير . وما اشبه الليلة بالبارحة، ما دامت المراوغة هي ذاتها رغم اختلاف الاساليب والاقنعة وما دامت الثعالب ايضا هي نفسها حيث يسيل لعابها على رائحة الجيف ! كفى استهجانا واستغرابا مما يجري في هذه الحفلة التنكرية التي اسرجت فيها الكلاب وصهلت، بينما جلدت الخيول بالسياط واكعاب البنادق كي تَنْبح !!
(الدستور 2016-04-10)