عن وثائق بنما وتحالف السلطة والثروة ورامي وبشار
لم تهدأ، ولن تهدأ سريعا عاصفة وثائق بنما التي تبدو أكثر إثارة بكثير من وثائق ويكليكس الشهيرة، وقد تترتب عليها تداعيات في دول كثيرة، ليس من بينها على الأرجح أيٌّ من دول العالم الثالث. وكما لم تضف وثائق ويكليكس الكثير من المعلومات، اللهم سوى مزيد من الدلائل على ما يعرفه أهل الرأي، فإن الوثائق الجديدة التي نحن بصددها، لن تمنح المواطن العربي سوى أدلة على ما يعرفه مسبقا حول علاقة السلطة بالثروة في المجال العربي المطحون أكثره بالفساد والفقر، وأحيانا بالفساد دون الفقر في قلة من الدول ذات الوفرة، والتي بات بعضها يغادر زمن الوفرة إلى زمن «الترشيد»، إن جاز التعبير، وهو «ترشيد»، سيطال على الأرجح المواطن أكثر مما يطال أهل السلطة. حين يجري الحديث عن فساد ما في دول ذات وفرة، فسيكون وقعها أقل بكثير من دول تعاني الفقر، لكن ذلك لا يزيد أهل السلطة إلا جشعا. هنا تحضر مصر، وتحضر تونس، وتحضر سوريا ودول أخرى. يستوقفني في هذه القضية بُعدٌ له علاقة بالخلفية السياسية والاجتماعية للفساد، وهنا نستعيد تلك المقولة الشهيرة «السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة»، والتي نجدها أكثر روعة في قوله تعالى: «إن الإنسان ليطغى.. أن رآه استغنى». لكن جزءا كبيرا من تحالف السلطة والثروة الذي تبدّى في العقود الأخيرة، له صلة بمنظومة الاقتصاد الحديث التي أصبحت أكثر قدرة على تحويل القرار السياسي، أو لنقل القرار العام أو الرسمي إلى أموال، كما هي الحال في شركات الاتصالات وما شابهها، فضلا عن الاستيراد والسمسرة والأراضي إلى غير ذلك. استوقفني في القصة أن الوكالات الإيرانية لم تُعِر الوثائق أي انتباه في البداية، وحين أرادت أن تفعل قامت بنشر تقرير لوكالة روسية لم يستوقفها من الوثائق إلا ما يخص دولتين عربيتين تدعمان الثورة السورية، بينما يعلم الجميع أن ما ذُكر عن بشار الأسد أكبر بكثير، فيما حظي مساعدو بوتين بالكثير من الوثائق أيضا؛ ما دفع الكرملين إلى اعتبار الوثائق تسريبا من المخابرات الأميركية لاستهداف بوتين على وجه التحديد، مع أن من الصعب نفي ذلك، وإن لم يشكك في صحة الوثائق!!. في المشهد السوري نعثر على عائلة استخدمت السلطة في تحصيل المليارات؛ تصدرها ابن خال بشار (وكيله عمليا)، رامي مخلوف، ما يحيلنا إلى قضية بالغة الأهمية، وهي أننا في سوريا لا نقف فقط أمام دكتاتور طائفي قاتل، ألقى بشعبه في أتون محرقة بشعة؛ قتلت وهجرت ما يقرب من 10 ملايين إنسان، بل نقف -أيضا- أمام لص سرق ثروات بلد ليست لديه تلك الإمكانات التي تتوافر في دول أخرى استوقفت قصصها وسائل الإعلام الإيرانية. السبب بالطبع أن المعطيات الجديدة لا تلبث أن تصفع إيران وشبيحتها، فهي تثبت أنهم لا يدعمون قاتلا وحسب، بل يدعمون لصا أيضا، وهذا يكشف حجم جريمتهم حين يحشرون الدفاع عنه في إطار «مقدس»، ويرفعون راية الحسين الشهيد الذي خرج ضد الفساد قبل أي شيء آخر.
(الدستور 2016-04-10)