بغداد التي سقط معها الجميع
في سقوط بغداد تحت الاحتلال، اكثر من نظرية، لكن كلها تتفق على ان العراق قبل عام 2003 يختلف تماما عن العراق بعد هذا التاريخ. خصوم صدام حسين يعتبرونه سببا في سقوط العراق تحت الاحتلال، اذ يرونه قاتلا تسبب في قتل ملايين العراقيين والايرانيين، فوق اغراق العراق بمليارات الدولارات من الديون، ثم اجتياح الكويت، وايذاء الكويتيين، والعراقيين ايضا، بسبب الحصار لاحقا، الذي ادى الى تدمير بنية الشعب العراقي وتشريده، الى ان وصلنا الى احتلال العراق من الاميركان، والتسبب بكل هذا الخراب على يد وصفات واشنطن، ورجالات ايران، ثم ما رأيناه من اقتتال مذهبي وطائفي، ونهب وفساد اقتصادي، وكل هذا يتم صبه في بئر صدام حسين باعتباره المسبب الاول والاساس لما وصل اليه العراق اليوم، وهذا التيار يؤمن ان ما نراه في العراق بعد صدام نتيجة لما زرعه صدام. اما اصدقاء صدام حسين، فيرون في حربه على ايران استباقا عبقريا في وجه المد الايراني الذي يتغلغل الان في كل مكان، وكلفة الحرب البشرية والمالية، لا احد يتحدث عنها، لان الكلفة مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، بل ُيسّكن هؤلاء الحروف حين يتحدثون عما جرى للكويت، برغم ان لا احد عاقلا في المطلق يقبل باحتلال بلد عربي، ويرى هؤلاء ان الحصار تعبير عن حقد دولي على بلد عربي خرج قويا ومسلحا من الحرب، فوق ان سر الحصار يعود الى رغبة قوى كثيرة بالانتقام للصواريخ العراقية التي سقطت على اسرائيل، ويعبر هؤلاء علنا، عن رأيهم بأن كل الخراب الذي تضاعف بعد صدام حسين، كان دليلا على اهميته، وليس نتيجة لافعاله، بل نتيجة لغياب نظامه. في المحصلة، فإن العراق اليوم، لم يعد كما كان، اذ اننا امام عراق تم تقسيمه بنيويا عربا واكرادا، سنة وشيعة، العراق اليوم غارق في الفساد حتى اذنيه، تتصارع فيه مرجعيات الدنيا مع مرجعيات الاخرة، وتتفشى فيه التنظيمات، والتفجيرات، بلد تتقاسمه دول العالم، عبر العطاءات، والنفوذ السياسي والامني، وتنتشر فيه الاحقاد بين العراقيين الى حد العمى، عن رؤية المستقبل، واذا كان العراق سقط بنيويا من خريطة الامن العربي، بسبب صدام حسين، او بسبب من اطاحوا بصدام حسين، فإن سقوطه فتح الباب لتغيرات واسعة عميقة بنيويا في كل المشرق العربي. لا يمكن لاحد ان يقرأ الامن العربي اليوم، بمعزل عن التغيرات التي حدثت في العراق وتمدد ايران، والولايات المتحدة فيه، بعد عام 2003. هذا التمدد وصل ذروته اليوم، ولولا هذا السقوط المريع، لما رأينا اليوم، معسكرات جديدة تتقاسم المنطقة، او تسعى لان تأخذ حصتها، من ايران الى اميركا، مرورا بتركيا وغيرها من اتجاهات في المنطقة، وهذا بحد ذاته لا يكفيه مقالا، بقدر حاجته الى ورش عمل لمناقشة تأثيرات سقوط العراق بيد ملاك غير ملاكه الاصليين، على مجمل الامن العربي، والتغيرات على الخريطة، وهي تغيرات مقبلة على الطريق، بوجود عراق مشظى، وسوريا مقسمة بنيويا، وانتشار للتشدد والحروب المذهبية والطائفية والعرقية. لقد كان سقوط العراق، دليلا على مفارقة كبيرة، فبعض الذين ساندوه ليحارب ايران، عادوا وساندوا من يريد اسقاطه ، وفتحت البوابات للايرانيين، وحصلوا على العراق هدية اعتذار رقيقة، وهاهم اليوم، يعودون و يشهرون ندمهم، لان ما شاهدوه بعد احتلال العراق عام 2003 كان اشد وطأة عليهم وعلى كل المنطقة العربية، والقصة لا تبدأ بالنفوذ الايراني ولا التراجع الاميركي، بل تمر بكل هذه الحروب التي نراها في العراق وسورية والمنطقة، باعتبارها مجرد هزات ارتدادية لزلزال احتلال العراق، وهي هزات تمتد الى اليمن، ولبنان، ومؤهلة لأنْ تنتقل مثل وباء الى كل مكان. سقوط بغداد عام 2003، كان سقوطا للجميع، وسقوطها كان كلمة السر في مخطط إعادة الفك والتركيب لهذه المنطقة.
(الدستور 2016-04-10)