إعفاءات سياسية بكلفة عالية
خلال الشهور القليلة الماضية خطر للحكومة أن تخرج بمجموعة كبيرة من الإعفاءات الضريبية لقطاعات اقتصادية ومناطق جغرافية ونشاطات معينة.
لم تكن هذه الإعفاءات اقتصادية بل سياسية بالدرجة الأولى ، وليس من شأنها أن تزيد الإنتاج الوطني ديناراً واحداً ، ولكنها تكلف الخزينة أكثر من 200 مليون دينار سنوياً ، تضاف إلى العجز المتفاقم أصلاً.
إعفاءات بدون لزوم ، ليس لها مبررات اقتصادية ، وتمثل استجابة لضغوط أصحاب المصالح ، والنتيجة وضع عقبات إضافية في وجه أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي القادم.
تحسـن الحكومة صنعاً إذا قررت التراجع عن هذه الإعفاءات بقرار واحد شامل ، لأن الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه فضيلة تحسب للحكومة وليس عليها.
لم تتضح بعد معالم وأبعاد برنامج الإصلاح الاقتصادي القادم بانتظار المفاوضات الشاقة بين الحكومة والصندوق المقررة خلال شهر أيار القادم ، لكن برنامج الصندوق لن يقتصر على زيادة الضرائب وإنقاص الدعم ورفع الأسعار كما يروّج البعض ، وإن كانت هذه الامور واردة لأنه بدون قدر منها لا يمكن تخفيض العجز وتقليل الحاجة للاقتراض. وقد جاءت الإعفاءات بالجملة في الاتجاه المعاكس.
التركيز بعد الان سيكون على المديونية ، التي اتضح الآن أنها تمثل التحدي الأول الذي يواجه الاقتصاد الأردني. ومن هنا فإن البرنامج المنتظر لا يستهدف وقف التسارع في ارتفاع المديونية كنسـبة من الناتج المحلي الإجمالي وحسب ، بل يهدف أيضاً إلى تخفيض هذه النسبة بحوالي 15 نقطة مئوية ، وهي مهمة صعبة تستوجب اتخاذ قرارات غير شعبية ، على طريقة تجرع الدواء المر.
بهذه المناسبة استذكر التجربة التي قادها رئيس الوزراء الأسبق زيد الرفاعي ، عام 1988 عندما استدعى الصندوق لمواجهة الأزمة ونضوب العملات الأجنبية والتوقف عن تسديد الديون.
في خلال الشهور الثلاثة أو الأربعة ، آواخر 1988 وأوائل 1989 ، اتخذت حكومة الرفاعي قرارات تمثل إصلاحات جوهرية تستبق برنامج الصندوق ، وتجعل تطبيقه تحصيلا حاصلا ، الامر الذي يثبت أن المسوؤل الأردني يعرف تماماً ما يجب عمله مثل خبراء الصندوق أو أكثر قليلاً ، ولكن المهم هو إرادة التغيير وتحمل المسؤولية.
زيد الرفاعي يتحمل جزءاً من مسؤولية الوصول إلى الأزمة الاقتصادية ولكنه يستحق التقدير لعدم التردد في الاعتراف بالمشكلة، ودعوة الصندوق للإنقاذ ، ومن ثم سبقه لبدء عملية الإصلاح الجراحية.
(الرأي 2016-04-10)