كيري في «هيروشيما».. ماذا عن «الاعتذار الأميركي»؟
سبعة عقود انقضت على جريمة كل العصور (6 آب 1946) عندما قصف الاميركيون (المُنتصِرون كما يجب التذكير) مدينة هيروشيما اليابانية، الشاهدة والشهيدة، بأول قنبلة نووية في التاريخ، ليسقط على إثرها وفي لحظة زمنية خاطِفة «140» الف بريء ياباني، فقط لارضاء الغرور والغطرسة والصلف الاميركي, ولتكن رسالة للعالم أجمع، بأن السيد الاميركي لن يتورع للحظة واحدة, عن «تدفيع» شعوب المعمورة، ثمن كل وأي مقاوَمة للهيمنة الاميركية, حتى لو كان الجيش الامبراطوري الياباني قد استسلم وفرض عليه الجنرال الذي نُسِجت حوله اسطورة كاذبة ومزيفة, او لِنقُل مُبالَغ فيها كثيراً وطويلاً، الجنرال ماك أرثر، وثيقة الاستسلام ولم يعد بالضرورة أهمية عسكرية او استراتيجية, لقصف هيروشيما بالقنابل النووية, بل ماذا عن ناكازاكي التي حلّت ثانية في الدمار بعد هيروشيما، فيما كانت الحرب العالمية الثانية تضع اوزارها, ولم يكن عبث القنابل النووية, سوى رغبة لدى الرئيس هاري ترومان بان يجعل من اليابان وشعبها حقل تجارب لاسلحته الشيطانية «وعقداً» يجب على الجميع في العالم توقيعه، كي يتم فتح الابواب على اتساعها كي تزدهر صناعة السلاح الاميركي وكي تكون صفقات الاسلحة بدءا بالمسدسات وليس انتهاء باي قاذفة او مقاتلة او بارجة, هي حكر اميركي وصاحبة الاولوية في الصفقات التجارية العسكرية, وليزداد المجمع الصناعي العسكري النفطي, قوة وجبروتاً وإمساكاً بخيوط اللعبة السياسية في واشنطن وتأثيرات ذلك كله على المعمورة، التي بدأت تشهد منذ ذلك الوقت بداية حرب باردة، أخذت طابعاً ايديولوجياً مُحتدِماً بين الرأسمالية والاشتراكية, ولكن وِفق سيناريو اميركي يَرُوم عسكرة العلاقات الدولية وعدم السماح للشعوب المُسْتَعمَرة بالتحرر والانعتاق واختيار طرق وانظمة حكمها, بعيداً عن الهيمنة والنهب الاستعماري والاستعباد.
ما علينا..
تصف الدوائر السياسية والدبلوماسية الغربية الزيارة التي سيقوم بها اليوم الاثنين جون كيري الى متحف «نصب السلام» في مدينة هيروشيما على هامش اجتماعات وزراء خارجية دول «G7» التي ستعقد قمتها في السادس والعشرين والسابع والعشرين من الشهر الجاري في اليابان, بأنها «تاريخية» والهدف من مصطلح مُضلِّل(إقرأ فارغ المضمون).. كهذا, هو الايحاء بأن الوزير الاميركي الذي لم يسبقه أي وزير خارجية (او رئيس اميركي) الى هذه المدينة, يروم «تصالح» بلاده مع تاريخها الياباني... السيء, الا أن ذلك وفي واقع الحال... لا ينجح, لأكثر من سبب لعل, في مقدمته هو اصرار الادارات الاميركية المُتعاقِبة على عدم الاعتذار عن جريمة كل العصور التي ارتكبت بغير سبب, سوى الإيذاء والغطرسة وشعور الانتقام الذي لم يغادر عقلية الكاوبوي الاميركي المعروفة بدمويتها, فضلاً عن ان الرواية الاميركية ما تزال حتى اللحظة تقول:إن ضرب هيروشيما وناكازاكي بالقنابل النووية كان «ضرورياً» لدفع اليابان الى الاستسلام, في الوقت ذاته الذي لم تبدر فيه من أي ادارة اميركية بمعنى توّجه من مسؤول رسمي, مجرد رغبة بإبداء فعل الندامة أو الإعتذار, وما كان قيل في مناسبات واحتفالات, ليس سوى كلام عابر, لا قيمة له في العقلية الاميركية المعروفة, ما بالك ان صك الاستسلام, الذي فرضه الجنرال ماك ارثر على الجنرالات اليابانيين, قد رمى به الاميركيون في سلة القمامة, بعد أن فرضوا هذا العام (وبعد سبعين سنة على انتهاء الحرب) على اليابان, تحويل قواتها المُسماة «الدفاع الذاتي...المُسالِمة» الى قوة عسكرية «ضاربة», قادِرة على التدخل في الحروب والعمليات الخارجية لنصرة «اصدقاء وحلفاء» أو الدفاع عنهم.
في السطر الاخير:سواء زار اوباما النصب التذكاري في هيروشيما اواخر الشهر الجاري على هامش قمة (G7) أم اكتفى بزيارة رئيس دبلوماسيته «الرمزية» التي ستتم اليوم, فإن مجرد عودة هيروشيما وناكازاكي الى الواجهة, وبعد سبعة عقود على جريمة كل العصور, انما يُشكِّل ادانة قوية ودائمة لاميركا, بما هي زعيمة «العالم الحر», كما تواصِل الزعم, حيث تعني «الحرية» في «قواميسهم»: حرية القتل والاستباحة والبلطجة وتدبير الانقلابات وترتيب المؤامرات واثارة الشائعات وتشويه سمعة الدول وقادة الشعوب التي لا تريد طأطأة رؤوسها وهاماتها لاميركا, على ما فعلت في حماية والتستّر على»قنابل» اسرائيل وجنوب افريقيا النووية إبان حكم الاقلية البيضاء, كذلك في الانقلابات العسكرية التي دبرتها ضد انظمة وقادة مُنتخَبين, واخيراً ما بدأت تتكشف من مؤامرات وتدخلات للأجهزة الاميركية الاستخبارية في ما بات يعرف الان بـِ»أوراق بنما».
(الرأي 2016-04-11)