زيارة كيري.. وحال العراق في ذكرى الاحتلال
حطت الطائرة العسكرية الاميركية في بغداد ، هبط على سلمها وزير الخارجية الاميركي جون كيري وبرفقته فرقة كاملة من المساعدين يحملون حقائب طافحة بالاوراق والملفات ، في مشهد يشي بأنهم قادمون لترتيب الخلافات داخل النظام المضطرب وحل مشكلات الحكومة التي اصبحت مزمنة.
ولكن الحقيقة ان زيارة وزير الخارجية ورفاقه الى بغداد لم تكن صدفة في توقيتها ومقاصدها ، بل هي زيارة رمزية لها معناها ، وتحمل رسائل كثيرة اراد منها الاميركيون تذكير العراقيين «بالفضل الاميركي» والقول: «نحن ما زلنا هنا ».
هذه الزيارة جاءت عشية ذكرى سقوط بغداد ، بعد مرور 13 عاما على غزو العراق واحتلاله ، حيث كانت الخطوة الاميركية الاولى في المشوار الطويل الهادف الى تدمير العراق وتخريبه اولا ، وبالتالي نشر الفوضى والعنف والتخريب وانهاك الجيوش وتفكيك اكثر من دولة عربية ، بهدف تقسيم البلادعلى قاعدة عرقية وطائفية وقبلية ، لتسهيل اعادة تشكيل الشرق الاوسط الجديد.
وما اثار الدهشة والاستغراب ان جون كيري اعلن بلغة الواثق أن « ايام تنظيم «داعش» في سوريا والعراق اصبحت معدودة »، رغم انه يعلم علم اليقين أن الدور الاميركي–الاوروبي في الحرب على «داعش» ، ومن تبعه من التنظيمات والحركات الارهابية ، هو مجرد دور محدود متواضع خجول ، لا يمنحه حق الحديث عن نهاية «داعش» ، في محاولة التفافية بهدف اختطاف انتصارات الغير.
وعندما تحدث كيري عن هزيمة «داعش» في سوريا والعراق معا ، فقد جانبه الصواب ، لأن القضيتين مختلفتين من حيث الاسباب والتفاصيل والنتائج. ففي سوريا صارت هزيمة داعش حتمية ، من حيث الحسم العسكري القريب ، أو من خلال الحل السياسي الممكن. أما بالنسبة للحرب في العراق فهي قضية اخرى اكثر صعوبة وتعقيدا ، وتحتاج الى مسارات مختلفة.
الحديث عن الازمة في بلاد الرافدين ياتي بمناسبة مرور ذكرى احتلال العراق. منذ ظهور اول دبابة أميركية الى ساحة الفردوس في بغداد ، قبل 13عاما حتى اليوم ، لم يهنا العراقيون بلحظة راحة واستقرار ، بل على العكس فقد غرق العراقيون في حرب مستمرة متصلة ، حتى بعد انسحاب قوات الاحتلال ، وقبل ظهور «داعش» والسيطرة على الموصل والانبار.
والثابت أن النظام الجديد في العراق القائم على المحاصصة ليس لديه القناعة ولا القدرة على اقامة الدولة المدنية الجامعة في العراق ، لأنه يعيش حتى اليوم ، على دقات ساعة بريمر ودستوره التقسيمي ، بل على العكس اصبحت المليشيات اقوى من الجيش ، كما صارت الاحزاب الدينية اقوى من الدولة ، في غياب العدالة والمواطنة والمصالحة. ولا اعتقد أن العراقيين سيخرجون من هذه الحفرة في المستقبل القريب بسبب الاجندات الخارجية واستمرار تدخل دول اقليمية ودولية في الشأن العراقي ، وفرض الوصاية على مستقبل العراق والغاء حق الشعب العراقي بتقرير المصير.
هذا الواقع يجعل من المستحيل وضع خطة انقاذ للعراق ، أو اعادة العراق الى العراق ، حتى بعد الانتصار على «داعش» ، لأن بعض العراقيين ، ما زال يرفض المصالحة والعيش المشترك بين كافة مكونات المجتمع العراقي ، خصوصا من الذين قفزوا على السلطة واستفادوا من الفوضى وضعف الدولة. هؤلاء ما زالوا اسرى شهوة الانتقام ، رغم مرور 13 عاما على احتلال العراق وتغيير النظام. واذا كان الحسم والحل في سوريا اصبح على الابواب ، أخشى أن الحرب في العراق ستكون مستمرة وطويلة ، لتكون حرب المئة عام ، حتى بعد هزيمة «داعش» ، لأن واقع الحال في العراق لم ولن يتغير بسبب العالقين في الماضي ، وهو الواقع الذي سيخلق دواعش اكثر ، حيث سنرى ولادة تنظيمات متعصبة اخرى ، وحركات متعصبة بديلة ، تتناسخ في تربة خصبة حاضنة.
(الرأي 2016-04-11)