حليب تربوي مغشوش !
كان ميداس حسب الاسطورة يلامس التراب فيتحول على الفور الى ذهب، وحسده الناس على هذه النعمة لكنه ما ان عطش حتى تحول الماء الى ذهب، وحين جاع تحول الرغيف بيده الى معدن اصفر بارد . ولو كان لدينا اساطير قابلة للتأويل بدلا من الخرافات لربما كان ميداس العربي يلامس الذهب او حتى الماس فيحوله الى رمل، ولأن الاسطورة من صلب التاريخ وليس كما يتصور البعض محض خيال، فالعربي المعاصر زمنا والمعصور حتى آخر قطرة من تحالف الجهل مع الاستبداد حوّل النعمة الى نقمة، والثورة الى ثروة من خلال تبادل اللصوص للمواقع، واخيرا حول وطنا بسعة قارة الى زنزانة . حتى في الثقافة ما إن يلامس ميداس أي كتاب في علم الاجتماع او علم النفس او الأدب حتى يتحول الى سياسة، لكن ليس تبعا لتعريف ارسطو للانسان فإنه حيوان سياسي بل لأن السياسة وفق أدنى تعريفاتها ابتلعت حياتنا ولم تترك مجالا لأي علم كي يقدم تفسيرا للظواهر غير تفسيرها السطحي الذي يتولاه الاعلام الداجن ! ومعظم ما يكتب ويبث فضائيا الان عما يجري في الواقع العربي يختزل الى بعد واحد هو البعد السياسي، رغم ان اسباب الانفجارات العربية المتزامنة تعود الى ما هو أبعد، ولها جذور تربوية وسايكولوجية بامتياز وربما كان الفارق بين ما قاله ارسطو عن الانسان بأنه حيوان سياسي وما قاله ابن خلدون وهو ان الانسان حيوان اجتماعي بالطبع يعود الى الفارق بين بيئات ثقافية ومفاهيم . ولو تجاوز العرب ذلك الوهم حول الطب النفسي وطرقوا ابواب العيادات النفسية بلا حرج او خشية من وصفهم بالجنون لانكشف السبب وتبدد العجب . وما كان لثقافة ملغومة بظلم ذوي القربى والكراهية المتبادلة وحروب الاخوة الاعداء ان تستشري على هذا النحو الكارثي لولا ان الحليب كان مغشوشا ان لم يكن مسموما !
(الدستور 2016-04-12)