الشخصيات العابرة للفوارق: عبد الفتاح مورو مثالا
في محاضرته في مؤسسة عبد الحميد شومان، تصدرت الشخصيات اليسارية والنسوية المقاعد الأولى، وهذه بادرة إقبال جيدة على فكر الشيخ التصالحي والشوري نرجو ان تكون أكثر عمقا في مواقفهم الحياتية فبعض العلمانيين واليساريين أكثر تطرفا من «داعش» في تشويههم ومحاربتهم الاسلام!
جميل هذا الشيخ بكل معاني الجمال الانساني، فبعد ان قضى نصف عمره بين السجن والإقامة الجبرية خرج منها حليم الطبع سمح النفس واسع الأفق، وكأنه ما مر بتعذيب وعقوق وتشويه في وطنه! خرج متصالحا مع ابتلائه واختباره مستوعبا لدروسه، راغبا في طي صفحة الماضي الأسود، والكتابة في صفحة بيضاء، فما بال بعض الشباب يطالبون بالثأر من أوطانهم وشعوبهم، وينعتونهم بأبشع اوصاف الكفر والضلال والشيطنة؟ ألم يقاسي المصطفى الأمرين سابقا من قريش، فلما تمكن منهم قال لهم «.. أنتم الطلقاء»، فسن سياسة الكبار في التعالي فوق الجروح والثارات الشخصية.
تحدث الشيخ عن تطبيق الشريعة ومطالبة الاسلاميين بذلك عند وصولهم للحكم، وأتفق معه ان تطبيق الشريعة يسبقه ما يسميه الدكتور أحمد خيري العمري في كتابه «سيرة خليفة قادم» التمكين للشريعة أي تقوية الخيار الاسلامي، وبناء مؤسساته وإشاعة فوائده بين الناس وتيسير تطبيقه عليهم، بعيدا عن الفرض بسلطة القانون وإلا لاستنسخنا أحكاما جبرية أخرى ولكن باسم الاسلام هذه المرة قد يطبقها الناس بأبدانهم في الظاهر وترفضها قلوبهم وعقولهم باطنا!
انتقد الشيخ كذلك ارتهان العرب بالمحابس السياسية والاقتصادية، والأهم من ذلك الثقافة الغربية ففقي الوقت الذي يدرس العرب أبناءهم علوم الخدمة من طب وهندسة وصيدلة يركز الغرب على العلوم الانسانية المنتجة للمعرفة من فلسفة وآداب وعلم اجتماع وتاريخ التي تصوغ عقل الانسان وتوجهاته.
وأضاف الشيخ أن القرآن ليس كتابا للعبادة الشعائرية، وانما كتاب لرياضة العقول يعلم المسلمين التجديد وفهم النصوص بأدوات العصر.
ونصح الحركات الاسلامية في انتاج شعارات عملية، والابتعاد عن الشعارات العامة الخطابية كشعار «الاسلام هو الحل»، واستبشر بأن المستقبل للاسلام، وأن له فرصة في العودة الحضارية بشرط ان يعمل له ابناؤه، ولا يركنوا للتمني، وانتظار القدر!
من نافلة القول أن الشيخ مورو ينتمي للمدرسة المغاربية، وهي مدرسة مقاصدية في التشريع تختلف عن المدرسة الشامية التأصيلية، والخير ربما في الجمع بينهما دون تعارض
من أجمل المشاهد في المحاضرة كان اقبال الشباب الذين ملأوا المكان الذي ما اظنه شهد مثل هذا العدد الا في حالات قليلة، وهو استفتاء ليس على مكانة مورو فقط، وإنما على التأثر بالخط الفكري الذي يمثله، وما أحوجنا الى هكذا مفكرين مستنرين لم تلوثهم الدنيا، ولم يدخلوا في عباءة السلطان، او يسكتوا عن ظلم وكفر بواح، فأولئك يسمع لهم، ويعمل بمشورتهم، ويبقى هامش انساني للاجتهاد يخطئ ويصيب.
(السبيل 2016-04-13)