الخروج من المدار المغلق !
الخروج من المدار المغلق لفكر الثنائيات يتيح لنا فهم ما استعصى علينا وربما على من سبقونا من اشكاليات، لأن الجدلية هي الأصل في مجمل العلاقات عبر التاريخ، وعلى سبيل المثال لدينا الان من الأمثلة ما يدفعنا الى الاعتقاد ان اعتى اعداء الماركسية هم الاكثر اعتقادا بصحتها، ولم تقاومها الرأسمالية على ذلك النحو العنيف الا بسبب قناعة دهاقنتها ان الاقتصاد هو المفتاح الذهبي لقراءة التاريخ، وان الانسان عندما يحتاج يصاب بنوبة من العمى، وهذا ما عبّر عنه اجدادنا حين قالوا صاحب الحاجة أرعَن، فلا معنى للاستقلال والسيادة اذا لم يكن هناك اكتفاء ذاتي، يقي المجتمعات من الابتزاز والعزف على اوتار الغرائز . والجدلية هي التي تحذف احيانا الفواصل بين ما نتصور انه من المتناقضات، فالاستعمار انجب رغما عنه سبل مقاومته وعنصرية الرجل الابيض انتجت ثور السّود والاحتلال ينتج المقاومة، وقد تبدو هذه المفارقات غير منطقية للوهلة الاولى، لكن التاريخ يقدمها لمن يريد استيعابها خارج الثنائيات بشكل بالغ الوضوح ! وحين يستمد الجياع والفقراء ثقافتهم ممن انتجوا فقرهم وجوعهم يصبحون رغما عنهم مجندين ضد انفسهم تماما كما ان المرأة التي تقف ضد الحراك النسائي لأسباب تقليدية من صناعة الذكور انما تعادي نفسها وهي لا تعلم ! القضايا الكبرى التي مرت بها البشرية تتكرر لكن بصيغ مختلفة، تماما كما تتغير وتتطور مناهج قراءتها ومن آفات التخلف الكبرى والكارثية ان ضحايا التخلف يعالجون تخلفهم بمناهج مُتخلفة فيزيدوا الطين بلّة لأن فاقد الشيء لا يعطيه . ان تعاقب الامثلة امامنا حول سطوة الاقتصاد وسلب الاستحقاقات من الضعفاء والفقراء يدفعنا بالفعل الى الاعتقاد بأن الرأسمالية كانت الادرى بشعاب عدوها، لهذا عملت على مدار الساعة وبكل الوسائل لهزيمته، كي تستفرد بالبشر وتحذف من قواميسهم تلك المقولة شبه المنقرضة وهو تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها !!
(الدستور 2016-04-13)