جزر مالية في الأردن
مؤسسات كثيرة في الاردن تتسم بالاستقلال المالي، وسواء كان ذلك البرلمان، او الجامعات، او مؤسسات أخرى، فقد آن الأوان أن يتم إنهاء وجود هذه الجزر المالية في الأردن. الاستقلال المالي كان لغايات محددة، وواضح تماما، أن كل مؤسسة تتسم بالاستقلال المالي، انحرفت عن المعايير، باعتبارها مجرد جزيرة مالية مستقلة، وعلينا ان ندقق ونكتشف ان اكثر المؤسسات الغارقة في الديون، او التعثر المالي، هي المؤسسات المستقلة ماليا، لان اداراتها ترتب امورها داخليا، وتنفق كيفما شاءت، ثم تبدأ بالصياح والولولة لاحقا. هل تستطيع الحكومة ان تعلن امام الرأي العام قيمة موازنات كل المؤسسات ذات الاستقلال المالي، وحجم ديونها، وحجم طواقمها، ومنسوب الدقة في قرارتها المالية، ومدى حاجتها لكثير من القرارات التي اتخذتها مقارنة بموازناتها، ونحن هنا، نتحدث عن بناء المباني والتوظيف وبقية القرارات المالية التي تتخذها هذه المؤسسات؟!. هناك خلل كبير يتغطى بالحاجة الى الاستقلال المالي، بذريعة الفصل بين تدخل الحكومات المحتمل، في هذه المؤسسات السياسية او الاكاديمية او غيرها من مؤسسات، وحاجة هذه المؤسسات الى قرارات سريعة، لا تصطدم بالعراقيل او الروتين الحكومي، او لي الذراع الذي قد يحدث من جانب الحكومات ازاء هذه المؤسسات، في بعض المراحل. ربما الذي فجر الكلام عن سوء استعمال الصلاحيات، في حالة المؤسسات المستقلة ماليا، ما نراه من تراشقات تحدث هذه الايام، وهذه التراشقات، وان كانت تعبر عن صراع سياسي في الاساس بين المسؤولين، وليس عن شفافية وخوف على المال العام، الا انها مناسبة ايضا لفتح كل ملف الاستقلال المالي لكثير من المؤسسات، وهو استقلال يتحول تدريجيا، الى حالة من الفوضى، والخروج عن المعايير في اشكال انفاق المال العام. من الممكن هنا، ان نجد معادلة وسطية تحافظ على قدر معين من الاستقلال المالي، من جهة، وعلى مرونة هذه المؤسسات في الحركة، لكن اللافت للنظر هنا، ان هذه المؤسسات وهي مرتاحة ماليا، تصر على استقلالها المالي، وترفض تدخل اي طرف، لكنها حين تتعثر تصيح مطالبة الحكومات بدعمها وتمويلها، وادامة وجودها، هذا على الرغم من ان مشاكلها المالية، نتاج سياساتها المباشرة، وليس نتاجا لتدخل جهات اخرى. ثم ان الاستقلال المالي، بات يتحول تدريجيا، الى انفصال عن جسم الدولة، بذرائع استقلالية القرار، وعدم الخضوع لاعتبارات اخرى، لكننا نرى فعليا، ان التطبيق يعاني من ثغرات كثيرة، ادى الى شبه انفصال واستقلال، والى سقوط كثير من المؤسسات في وحل الديون، جراء قراراتها المختلفة. لا يمكن لبلد يعاني ماليا، ان يواصل اعتبار الاستقلال المالي ميزة، ففي هذا الزمن، يعد الاستقلال المالي سببا في مزيد من الخراب العام، خصوصا، حين لا تفلح اغلب المؤسسات المستقلة على الصعيد المالي من اثبات جدوى استقلالها، وتقدم لنا الادلة على الخلل في الانفاق، وتوظيف المال لحسابات ضيقة جدا.
(الدستور 2016-04-13)