لا فساد في البلاد!
لا معنى للتقرير الصادر عن دائرة الأبحاث في الكونغرس الأميركي، والذي انتهى إلى أن "الفساد واضح في الأردن"، وأن الشباب "محبطون ولديهم شعور متنام بالضعف وانعدام الثقة بمحيطهم"، وغيرها من تفاصيل لا تعدو كونها أوصافا تنطوي على "استشراق" وعدم فهم دهاليز الحالة الأردنية. وخلاصة الأمر أن هذا التقرير ينضوي ضمن سلسلة تقارير غربية تستهدف الإساءة للاقتصاد الأردني وإضعاف الحالة المعنوية للشعب الذي يرفل بأفضل شروط العيش الكريم!
ووحدة الاستخبارات الاقتصادية في "الإيكونوميست" هي ذراع للشر أيضا، تهدف إلى الإضرار بسمعة عمان وجاذبيتها الخارجية عندما تنشر أن العاصمة الأردنية تنفرد في مقدمة المدن على مستوى العالم العربي من حيث الغلاء.
أما الوثائق التي سربت من الحكومة الأردنية بخصوص تعيين أبناء نواب وأقاربهم، فليست إلا ذرا للرماد في العيون. فرئيس الوزراء لا يخفي تردده في كتاب رسمي، ولكنه وقّع في نهاية اليوم، ليبدأ بعد ذلك بأيام جدل يدافع فيه نواب ورئيسهم عن هذه الفعلة، رغم أن استثناء أبناء نواب وأقاربهم من قوائم الانتظار في ديوان الخدمة المدنية ينطوي على مخالفات قانونية ودستورية يصعب إنكارها. والحالة هذه، فما المانع من أن يحصل نواب وأبناؤهم على معاملة تفضيلية؟ فأبناؤهم ليسوا كباقي أبناء الأردنيين، واستثناؤهم ضروري من أجل تحقيق الاستقرار في الدولة، حتى لو كان ذلك على حساب القدرات الحقيقية للدولة على المستوى الاقتصادي.
خيوط المؤامرة تتشابك داخليا وخارجيا، فبعد هذه الأوصاف والتقارير التي انهمرت على البلاد، يخرج علينا تقرير محلي للمرصد العمالي لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، ليقول إن الاحتجاج العمالي في الأردن أخذ مديات خطيرة عبر التهديد بالانتحار أو إيذاء النفس، بل إن أربعة من شبابنا انتحروا في 2015 لأنهم لم يجدوا فرصة عمل بعد بحث لسنوات طويلة. فلينتحر هؤلاء الشباب، ما المشكلة؟ المهم أن يتعين أبناء نواب وأقاربهم، كي يتسنى لهذه "النخبة الاستثنائية" أن تعيد إنتاج نفسها في سنوات مقبلة ليواصل الأبناء مسيرة الإنجاز التي درج عليها الآباء!
والمؤامرة أيها السادة على سمعة الاقتصاد ليست من مراكز بحثية خاصة، هي أيضا من مؤسسات رسمية. فتقارير ديوان المحاسبة للسنوات الماضية تكشف وجود هدر أو فساد بالملايين. وهي التقارير التي صمت عن مناقشتها مجلس النواب خلال السنوات السبع الماضية، بينما رفع صوته للحديث عنها منتصف الأسبوع الماضي قبيل أشهر من انتخابات مرتقبة، أملا ربما في كسب ود الشارع المعزول عن كل هذه التفاصيل المخجلة. والحكومة بدورها لم تلتفت لهذه التقارير، وبقيت أوراقها في أدراج المسؤولين.
كل ما جاء آنفا ينضوي في باب التهويل والتآمر والحقد. أما الكلام الموضوعي والدقيق والصحيح، فهو الذي ذهب إليه رئيس الوزراء د. عبدالله النسور بأنه لا وجود للفساد في السنوات الخمس الأخيرة! والحقائق ليست مهمة على الإطلاق إذا ما قورنت بانطباعات رسمية مزعومة، وحالة إنكار فريدة من نوعها في التاريخ المعاصر!
(المصدر: الغد 2016-04-16)