الإصلاح بما هو يسلك طريق الانتخابات
ثمة قواعد أساسية تحكم العمل العام، يغلب عليها النسبية وعدم اليقين... وأسوأ من ذلك القسوة والملل. لكن رغم ذلك لا يمكن تجاوزها، ومن دون أخذها في الاعتبار، نعمل في الوقت الضائع. ويبدو أن العمل في الوقت الضائع تحول إلى أصل، ولكن لن يغير من وصفه كذلك طول الأمد.
فالانتخابات العامة المفترض أن تؤدي في محصلتها إلى الإصلاح في السياسة والموارد والتشريعات والمؤسسات، ليست سوى صراع سلمي بين المصالح والطبقات والاتجاهات والأفكار. هي مباراة غير حماسية، وبطبيعة الحال فإنها مثل أي مباراة تعمل لمصلحة الأكثر تنظيماً والأكثر قدرة وتأثيراً ونفوذاً. ويمكن، بناء على ذلك، أن نقدر فرص فوز الإصلاحيين حتى مع وجود فرص عادلة متاحة للتنافس؛ إذ من دون تنظيم أنفسهم وفق فرص وإمكانات التأثير، تكون فرصتهم بالفوز قائمة بمقدار فرصة فريق كرة القدم في قريتي "سبيرا" للفوز على "برشلونة".
لا يمكن للأحزاب والحركات الاجتماعية العمل والتأثير من غير قواعد اجتماعية تحمل برامجها وأفكارها، وتعمل لأجلها. وأظنها معضلة العمل السياسي والاجتماعي في بلادنا اليوم.
البرامج والأفكار التي تضعها الأحزاب والجماعات والنقابات للإصلاح والعمل الوطني لا تجتذب كتلة اجتماعية قادرة على التأثير في اتجاهات الانتخابات والتشريع والسياسة العامة والرأي العام. ويتجمع الشباب والجمهور وراء قضايا ومطالب وأفكار منفصلة عن جوهر الحياة السياسية والاجتماعية والعامة. وبذلك تترك الانتخابات النيابية التي يفترض أنها تحدد وجهة السلطات التنفيذية والتشريعية والسياسات والموارد، لتجمعات وروابط واعتبارات قرابية أو دينية لا يربط تجمعها وغاياتها شيء بوجهة السياسة العامة والتشريع؛ ويفرّغ مجلس النواب من محتواه، ومن ثم تشكيل الحكومة ووجهة الإنفاق العام والسياسات العامة.
وبعبارة غير مغلفة، فإن الإصلاح بما هو يسلك طريق الانتخابات، ليس سوى عمل اجتماعي يعكس تحالفات عملية واقعية مع النخب. والحال أنه لا فرصة للإصلاح إلا أن يكون مصلحة للطبقات والنخب المؤثرة والمنظمة، ثم نحول هذه "الانتهازية" إلى تشكل اجتماعي وثقافي؛ تجمعات شبابية وجماهيرية تلهمها أفكار جميلة عن الحريات والعدالة، وتدفعها إلى العمل والمشاركة، ولكنها تدرك (يجب أن تدرك) أنها تتحقق نسبياً في تحالفات براغماتية. وفي المقابل، فإن مشكلتنا في كل قضايانا العامة والنضالية، الصغرى والكبرى هي الانتهازية المقلوبة، في النخب التي تحكي "إصلاحاً ونضالاً" وتتحالف واقعياً مع الأوليغاركيا ضد المجتمعات.
ويمكن النظر إلى التجمعات السياسية والاجتماعية القائمة اليوم على أساس تركيبتها العمرية؛ فجديتها وقدرتها على الاجتذاب والإلهام يمكن الإشارة إليها بالتوزيع العمري لأعضائها وناشطيها، إذ يجب أن يكون نصف إلى ثلثي أعضائها من الشبان المتطوعين المتحمسين بين 18 و25 سنة. وإذا كانت نسبة الشبان بين 25 و40 سنة في العمل الجماهيري تزيد على 25 في المئة ولا تؤدي دوراً قيادياً وتنظيمياً، ولكنهم لا يختلفون عن الفئة العمرية 18-25 سنة، فإن الظاهرة تعكس بطالة وفشلاً. وعندما تزيد أعمار المنتسبين ممن هم فوق الـ40 سنة عن 15 في المئة ولا تعكس في وجودها القيادة والإلهام والتوجيه والتأثير في المجتمع والمصالح والنقابات والمدن، فإنها تعكس تنافساً داخلياً غير واقعي على الفرص الاجتماعية والسياسية.
(المصدر: الغد 2016-04-16)