متعهدو الحفلات التنكرية!!
لم تعد مهن من طراز المتعهد أو مقاول الأنفار أو البائع المتجول حكرا على المجال الاقتصادي والسوق، فقد تمددت حتى بلغت الثقافة والإعلام والسياسة، وأصبح للحفلات التنكرية متعهدون ومقاولون، بضاعتهم هي الأقنعة على اختلاف أشكالها، لكن مِن هؤلاء مَن تصوّر أنه امتلك طاقية الإخفاء بحيث يفعل كل ما يشاء دون أن يراه أحد . لكن ما يحدث الان في عالمنا العربي أنهى تلك الحفلة، وأصبح المتعهدون والمقاولون مهددين بالبطالة، الى ان تصاب الشعوب بنوبة غضب تحول دون رؤيتها للحقائق كما هي، فالمقايضة الشهيرة بين الأعمى والكسيح اتسعت ايضا، حيث يقود العميان من أصابهم الشلل الرباعي . واذا صحّ ما وسِم به صاحب الحاجة وهو الرّعونة، فإن ما يمكن قوله عن فائض الغضب اكثر من ذلك، لأنه يفقد الانسان توازنه ويجعله قابلا لتصديق ما يوعد به من «العراقيب» وما أكثرهم في السياسة والاقتصاد والثقافة ايضا ! لقد مرّ العالم العربي الذي لم يعد يسمى وطنا عربيا باختبارات متعاقبة وعسيرة لما انتهى اليه مخزونه التاريخي، وما تراكم في ذاكرته من احباطات، وكادت الشعرة الفاصلة بين الثورة والفوضى ان تضيع، لأنه ما من ثوار في العالم استهدفوا متاحفهم ومعابد وبنوك ومؤسسات أوطانهم . نعرف ان فائض الحرمان قد يصيب الانسان بالعمى المؤقت، بحيث لا يفرق بين المكنسة والسنبلة وبين ظل العصا والأفعى! ولو احتكما الى حاسوب غير مغشوش لإحصاء الخسائر والغنائم لوجدنا ان هناك حالات أصبح الفارق فيها بين الثورة والثروة مجرد خطأ مطبعي، وكأن قدرنا ان نراوح بين الرمضاء والنار، وأن نحفر في جدار الزنزانة بحثا عن الحرية لنجد أنفسنا كمونت كريستو في زنزانة أخرى مجاورة أشد رطوبة وأكثر إظلاما ! فهل خان الدليل أهله أو أن ما يسمى النخبة ليس سوى زبد لم يمكث طويلا، فالفارق جوهري وحاسم بين النّخبة أو الانتلجنسيا بالمعنى الدقيق وبين متعهدي الحفلات التنكرية ومقاولي الأنفار وباعة الأحلام المتجولين !!
(الدستور 2016-04-19)