ليبيا في قلب أوروبا
تؤكد الزيارات المتوالية للمسؤولين الأوروبيين رفيعي المستوى إلى طرابلس وإعادة فتح السفارات فيها أن الخطة الأممية تقطع مراحلها من دون منغصات، على الرغم من تعثر منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني من مجلس النواب في طبرق، وهي خطوة آتية لا محالة مهما تضاربت الحسابات والمصالح في المنطقة الشرقية.
الدول الأوروبية أصبحت مقتنعة بأن أمنها الشامل سيظل مهدداً طالما ظلت ليبيا غير مستقرة وتفتقد إلى حكومة قوية تتمتع بثقة المجتمع الدولي. وظهرت هذه القناعة بوضوح في زيارة وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتلوني الذي كان أول الواصلين وسبق نظيريه الفرنسي جون مارك إيغولوت والألماني فرانك فالتر شتاينماير، وأخيراً وصل البريطاني فيليب هاموند، وتتضمن الرسالة الأوروبية المشتركة التي تسلمتها حكومة فايز السراج دعماً غير محدودٍ لخطط الحكومة في استلام السلطة ومساعدتها في استعادة الأمن ومكافحة الإرهاب وتقديم خدمات عامة ينتفع بها جميع الليبيين.
المثير للانتباه أن أياً من وزراء خارجية دول الجوار الليبي لم يبادر بزيارة طرابلس والاطلاع على سير الأمور فيها، ولو من باب الحركة الدبلوماسية وتسجيل الحضور، وقد يطرح هذا الغياب تساؤلات كثيرة، وكأن ليبيا أصبحت دولة في قلب أوروبا تهم أزماتها إيطاليا وفرنسا وألمانيا أكثر من جوارها العربي والإفريقي. وربما هي أصبحت كذلك من خلال هذا الاهتمام الأوروبي المفرط بضرورة تطبيع الأوضاع هناك والتسريع بمباشرة ملاحقة الفوضى والجماعات الإرهابية وتأمين حقول النفط وإمداداته وتوقف قوارب الهجرة العابرة للبحر المتوسط.
الثابت أن المصالح وحدها والخشية هي التي تدفع وزراء الخارجية الأوروبيين إلى زيارة طرابلس وسط إجراءات أمنية مشددة. ومن أهم الأهداف التي ترمي هذه الزيارات إلى تحقيقها هي مكافحة الإرهاب ووقف سيل الهجرة غير الشرعية. وفي الواقع لم تتبلور هذه الأهداف إلا بعد أن بلغت الأخطار مستوى لا يمكن تجاهله. وتوحي التصريحات التي أدلي بها الوزراء الغربيون في طرابلس بأن قرارهم بدعم حكومة السراج لا رجعة فيه ومستعدون في سبيل ذلك لأسوأ السيناريوهات بما فيها التدخل العسكري المباشر.
مصدر غربي عزا التصميم الغربي على دعم الاستقرار في ليبيا ومكافحة الإرهاب فيها وجميع أشكال الفوضى إلى الرغبة الحازمة في الانتقام من ضحايا الاعتداءات الإرهابية التي ضربت باريس في مناسبتين وبروكسل وأدت إلى دخول أوروبا بكاملها في حقبة جديدة من القلق والهواجس، كما يأتي التصميم الغربي في ليبيا للقصاص لضحايا الهجومين الإرهابيين في مدينتي سوسة وباردو التونسيتين وأسفرا عن مقتل أكثر من 60 غربياً نصفهم بريطانيون، وقد أثبتت التحقيقات أن هذه الهجمات لها صلة بالجماعات المتشددة في ليبيا.
لقد أصبحت ليبيا في قلب الاهتمام الأوروبي، وعلى الأغلب أن هذا الدعم سيحقق أهدافه من تثبيت لحكومة السراج ومواجهة شاملة للإرهاب وإحداث تغيير في الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، أما الحفاظ على تلك الأهداف فليس بيد أوروبا، وإنما بأيدي الليبيين إذا نجحوا في حل الخلافات القائمة والتوافق على مشروع وطني جامع والانخراط جميعاً في مكافحة مخلفات المرحلة الماضية، وهي مخلفات لا يمكن الاستهانة بها، رغم أن أغلبها حدث بعيداً عن الرقابة وعن عدسات وسائل الإعلام.
(المصدر: الخليج 2016-04-21)