انتخابات 2016 والإصلاح كما هو
"ليس نقيض الخير هو الشر وإنما اللامبالاة" (ريتشارد واطسون، ملف كتاب موجز في تاريخ السنوات الخمسين المقبلة).
ينشط المواطنون ببطء، لدرجة تصعب ملاحظة اتجاه الانتخابات النيابية. ثم سيدخلون في انتخابات جديدة بالنسبة لهم، هي مجالس المحافظات؛ تطبيقا لقانون اللامركزية الذي يقتضي أن تشكل المحافظات برلمانا منتخبا، يعمل إلى جانب مجلس تنفيذي للمحافظة. والانتخابات النيابية نفسها ستكون على أساس محافظات وقوائم انتخابية لكل محافظة من المحافظات الاثنتي عشرة.
يبدو ذلك، نظريا، استجابة ملائمة وإيجابية للتحولات القائمة على صعيد المدن والمجتمعات، وتطوير حضورها ومشاركتها في الولاية على الموارد والأولويات الأساسية، ثم ظهور قيادات اجتماعية تشكلت في أثناء ممارسة مجتمعية متقدمة نسبيا، أو هي مرت بتجارب ومشاركات قيادية محلية تجعل الفرصة أفضل لاختيار نواب وقادة سياسيين أكثر خبرة وأوسع تجربة. ولكنها بيئة اجتماعية وسياسية لن تتشكل وتعمل إيجابيا من غير مشاركة اجتماعية حقيقية وفاعلة.
ستظل الانتخابات تعمل بعيدا عن غايتها ما لم تتشكل رؤية عملية واضحة لدى المواطنين بشأن ما يريدون وما لا يريدون أن تكون عليه بلادهم، وما يريدونه وما لا يريدونه من الانتخابات، والعلاقة بين نتائج الانتخابات ورؤيتهم لمصالحهم وأولوياتهم. من دون ذلك، لن تحقق القوانين أهدافها، ولن تخدم المجتمعات أو تساعدها. وأسوأ ما يصيب المجتمعات أن تعجز عن تحديد أولوياتها، أو أن تعجز عن الربط بين الانتخابات وبين أولوياتها الحقيقية الفعلية. وأسوأ ما يصيب الانتخابات هو أن تعمل في معزل عن مصالح المجتمعات وتشكلاتها.
الأردنيون، كما في كل دول العالم التي تجري فيها انتخابات نيابية، يفترض أن يرشحوا للانتخابات ويرجحوا بين المرشحين وفق أهدافهم لدولتهم ومجتمعاتهم. وليس هذا اكتشافا جديدا ولا إعادة اكتشاف. وبذلك، فإن المرشحين والناخبين يتجادلون حول مسائل يقدرونها تماما، والفروق الممكن حدوثها في حال نجاح مرشح وفشل آخر.
ينشئ الناخبون في اقتراعهم وجهة الحكومة، ويحسمون اختيارهم لحكومة يفترض أنها، حسب نتيجة الانتخابات، تعكس اتجاه أغلبية المواطنين، كما تعكس أيضا جدلهم وتصوراتهم للحكم الرشيد والإدارة الكفؤة للموارد العامة والخدمات الأساسية، من التعليم والصحية والرعاية الاجتماعية.
لا يمكن أن تعبر الانتخابات عن الجدل والاتجاهات السياسية والبرامجية من غير وجود مجتمعات حقيقية؛ بمعنى مدن وبلدات ذات ولاية على مواردها واحتياجاتها الأساسية، وتدير بذاتها جزءا من الموارد والخدمات الأساسية والاجتماعية والثقافية بالقدر الذي يمنحها القدرة على الاستمرار مستقلة بمواردها وخصوصيتها الاجتماعية والثقافية والعمرانية، ويفسر ببساطة إقامة الناس فيها وولاءهم وانتماءهم لها، وينشئ قيادات اجتماعية تعبر عن اتجاهاتها وتطور الحياة السياسية والاقتصادية في المدن والدولة أيضا.
ولا تنفصل المدن والمجتمعات في تشكلها عن الماء والطاقة باعتبارهما الموردين الأساسيين اللذين تتشكل حولهما المدن والبلدات، واقتصاد زراعي وغذائي وصناعي بالقدر الذي يوفر الاحتياجات الأساسية في السكن والحياة اليومية. وبذلك تتشكل الأسواق والحرف والمهن وقيادات المصالح والأعمال، وتساهم هذه النخب بدورها في وجهة الانتخابات.
ثم تتشكل أسواق كبرى توفر الاحتياجات والسلع، وتسوق المنتوجات والخدمات الوطنية، وتشارك السلطة والمجتمع في الحصول على مستوى ملائم وشامل من السكن والصحة والغذاء والتعليم والرعاية الاجتماعية والانتماء والمشاركة... ولا بأس في تكرار القول إن هذه الأسواق والأعمال يجب أن تكون حاضرة في الانتخابات وجدالها ونتائجها، لأن غيابها يعني ببساطة أن الأعمال والمصالح وحركة السوق والتوريد والعطاءات والخدمات التجارية، تدار وتنظم بعيدا عن ولاية المواطنين المفترض أن تعكسها الانتخابات. والأسوأ من ذلك أن مصالح النخب الاقتصادية ليست مرتبطة بالانتخابات.
في المحصلة، فإن الانتخابات الصحيحة والعادلة تؤشر معياريا إلى دولة قائمة على الحرية والعدالة واستقلال السلطات؛ وإن الشعب هو مصدر السلطات؛ وثقافة وفنون ملائمة للتمدن والتقدم وتزيد الموارد وتنشئ موارد أخرى جديدة وموارد وأعمال وتقنيات وأسواقا ورؤى جديدة ناشئة عن المنظومة السابقة، وتنشئ من جديد منظومة اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية جديدة، تنشئ موارد وتقنيات وأسواقا جديدة.
المصدر : الغد 27/4/2016