ليبيا:هل بات التدخل العسكري «الغربي».. مسألة وقت
يبدو أن الأمور سائرة نحو «الإنضاح» في ليبيا، على نحو يجعل من حدوث التدخل العسكري الغربي الذي ازداد الحديث عنه مؤخراً، مسألة وقت، وقد مهّد لذلك التصريح الدراماتيكي الذي صدر عن حكومة «الوفاق» التي يرأسها فائز السراج, والذي تطلب فيه «المساعدة» من الغرب لحماية حقول النفط التي تتهددها هجمات داعش، فضلاً عن تلك التصريحات «المُقابِلة» التي صدرت عن أوباما وميركل وباقي زعماء مجموعة الخمسة, الاوروبية الاميركية, الذين التقوا في هانوفر الالمانية في اجتماع غير رسمي (..) لبحث ملفات وقضايا وبؤر توتر، وقفت في مقدمتها الأزمتان السورية والليبية.
وإذ ما زالت حكومة فائز السراج تبحث عن شرعية مفقودة هي في أمسّ الحاجة اليها، بعد أن لم تحز (حتى الآن) على ثقة حكومة طبرق, التي تواجه هي الأخرى مأزق الانقسام والتشظي، بعد ان انحاز بعض نواب مجلسها الى جانب حكومة الوفاق, واستمر آخرون في الاصطفاف الى جانب الرئيس عقيلة صالح وخصوصاً «الشخص» الأكثر استقطاباً وقوة في حكومة طبرق وهو الجنرال خليفة حفتر، الذي سيكون الخاسر الأكبر اذا ما، وعندما, تتوفر حكومة السراج على «السيادة» الليبية ويتعاطى معها المجتمع الدولي (دع عنك العرب الذين لا دور لهم ولا مكانة في مصير ليبيا او غيرها من الدول التي تعصف بها الأزمات وتُشن عليها الحروب وتنتشر فيها الفوضى)، كممثلة «وحيدة» للشعب الليبي، فان ما يحدث الآن في طرابلس, يثير المزيد من الشكوك بقدرة حكومة السراج على إدارة الأزمة المفتوحة مع حكومة طرابلس التي فرض مجلس الأمن عقوبات على بعض اركانها وبخاصة رئيسها خليفة الغويل ورئيس مجلسها الوطني نوري بوسهمين، ولا يهم هنا اذا ما تسلّمت المزيد من «مقار» الوزارات والتي لم تزد حتى الآن عن ستة مقرات, آخرها كان مقر وزارة الخارجية، بقدر ما هو مهم اذا ما توفرت على قوة عسكرية او استطاعت ان تفرض الأمن وتحدّ من الفلتان الأمني الذي يَسِم الاوضاع في العاصمة الليبية،فضلاً عن ان التأييد الذي حازته هذه من فصائل وميليشيات وتنظيمات وكتائب مسلحة, ما يزال ضعيفاً وغير قادر على تأمين»أمن وحياة» اعضاء الحكومة ورئيسها, ما بالك لفرض الأمن في عاصمة مقسمة بين ميليشيات متناحرة منذ سقوط نظام القذافي حتى الان.
من هنا تبدو «حكاية» التدخل الغربي وكأنها باتت أحجية لدى البعض, وأكثر وضوحاً لدى البعض الاخر, بعد أن لم يعد ثمة شك بأن حكومة الوفاق جيء بها «غربياً» كي تبقى, ولن يسمح الغرب بسقوطها او فشلها تحت طائلة فرض العقوبات على من يعترض طريقها, سواء من قِبَل حكومة طرابلس التي تقودها ميليشيا فجر ليبيا المدعومة من دولة عربية معينة (وتركيا) أم جاءت هذا المعارضة من حكومة طبرق التي تم رفع الغطاء عنها ولم تعد حكومة شرعية, كما قرر «الاسياد» أنفسهم الذين أسبغوا الشرعية,ذات يوم...عليها , ما يعني أن الجنرال خليفة حفتر قد خسر الرهان أو تم الاستغناء عنه, ليس فقط لأنه فشِل في إحراز اي نصر حاسم على الميليشيات ولم ينجز شيئاً من الوعود التي اغدقها, وانما ايضاً لأن «الرهانات» تبدلت, والاحصنة أُخرِجَت من الحظيرة و تم تغييرها في خضم المعركة, رغم القول المأثور الذي يفيد: أن «الجياد» لا تُستبدَل خلال المعركة.
أن تتحدث المستشارة في وجود الرئيس الاميركي عن أن حكومة السراج «هشة» لكننا سنساعدها وخصوصاً تقويتها من اجل التصدي للهجرة غير المشروعة التي تتدفق على اوروبا من شواطئ ليبيا تحديداً, ثم نستعيد ما كان قاله اوباما نفسه من ان أميركا «لا» تنوي ارسال قوات برية الى ليبيا, لكنها لن تسمح لداعش بالانتشار واقامة قواعد له في ليبيا, ثم يعلن وزير الخارجية البريطاني هاموند بأن بريطانيا مستعدة لارسال قوات الى هناك.. يعني ان مسألة الهجرة ليست – على اهميتها – هي الهاجس الاول اوروبياً واميركياً. بل أن الهاجس «الامني» هو الذي يفرض نفسه على جدول الاعمال الغربي, وبخاصة بعد هجمات تونس وما حدث في بروكسل مؤخراً والاوضاع المتدهورة «امنياً» في دول شمال افريقيا, وما يحدث في سيناء حيث داعش ما يزال قادراً على مواصلة ارهابه ضد الجيش المصري, رغم الضربات القاسية والنوعية التي وجهها له المصريون وسلسلة القيادات التي سقطت من هذا التنظيم جراء هذه الضربات.دون إهمال مغزى «العرض»الفرنسي لحكومة السراج, الذي جاء يوم أمس على لسان وزير الفاع لو دريان, بأن باريس «مستعدة لحماية امن ليبيا البحري,فيما قال الاتحاد الاوروبي: بأنه يعمل على «مشاريع ملموسة»لدعم حكومة الوفاق الوطني ,على الصعيد «الأمني».
التدخل الغربي في ليبيا الذي لم يعد السؤال حوله ما اذا كان سيحدث؟ بل متى؟ سيكون تطوراً خطيراً وجديداً, ليس لأنه يلبس لبوس محاربة داعش كغطاء, وانما ايضاً لأن ليبيا ستتحول الى منطقة جذب للمواجهة «الجديدة» التي لا نحسب ان «الغرب» قد غفِل عنها أو تجاهلها, وفي ذلك ما يثير الريبة والشكوك.
الراي 27/4/2016