السياحة: من التراجع إلى التحسن
![السياحة: من التراجع إلى التحسن السياحة: من التراجع إلى التحسن](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/a83380c22609a8cd662ca78d8d451a58.jpg)
ثمة مؤشرات تدفعنا إلى التفاؤل باستئناف التحسن في النشاط السياحي في المملكة، بعد خمسة أعوام من التراجع القسري بسبب اشتعال الحروب في المحيط الإقليمي. تلك المؤشرات تبدأ بالمدينة الوردية؛ البترا، التي زاد عدد زوارها الشهر الماضي على 43 ألف زائر، في حين تتأهب مواقع سياحية أخرى، وفي مقدمتها خليج العقبة، لاستقبال سياح جدد.
غير أن الإشكالية في حالة زوار المدينة الوردية تكمن في عدم قضاء عدة ليال فيها، والاكتفاء بيوم واحد. ولعل ما كشفته مفوضية إقليم البترا؛ أن أربعة من أصل خمسة زوار للمدينة الأثرية لا يبيتون فيها، يعني أن جهود الترويج والتسويق المحلية يجب أن تأخذ مسارا آخر، لإقناع السائح بالمبيت، لاسيما أن مشهد شروق الشمس وغروبها بين صخور البترا وخلفها لا يدانيه مشهد في الروعة والجمال. ولا بد هنا أيضا من التعامل بحزم مع التحايل الإسرائيلي الذي عزز النسبة الآنفة؛ فشركات السياحة في دولة الاحتلال تضع البترا ضمن برامجها، بما لا يسمح للزائر بالمبيت فيها.
حتى يتحقق للحكومة مبتغاها برفد الاقتصاد من دخل السياحة بأكثر من 4 مليارات دولار تحققت العام الماضي، فإن الأمر يتطلب جهدا جماعيا من كل المؤسسات، في القطاعين العام والخاص، من أجل تنفيذ خطة للترويج السياحي واضحة الملامح والأهداف، بأدوات تسويقية ذكية، ويتحمل فيها كل طرف مسؤوليته، وتبتعد عن "الفزعة" التي لا تعود بالخير على أي نشاط اقتصادي، فكيف إن كان الأمر متعلقا بتسويق سياحي يجب أن تكتمل حلقاته؟ ولا بد هنا من الانتباه إلى زيادة مخصصات الإنفاق على هذا الترويج؛ فزيادة خمسة ملايين دينار إلى الخمسة ملايين الأولى تساعد في مزيد من الجذب، ولكن الهدف يحتاج حتما أرقاما أكبر من هذه المبالغ.
لا يكفي أن نقول للسياحة العربية والأجنبية، وكذلك المحلية، أن الأردن متحف مفتوح، إذ لدينا 100 ألف موقع أثري وسياحي. الأهم أن يصل السياح إلى هذه المواقع -المهيأ منها طبعا- ووضع خطة محكمة لتقديم وجبة سياحية واسعة تشمل الآثار ومسار الحضارات التي استوطنت في بلادنا أو مرت منها. ولعل رفع حصة السياحة من الناتج المحلي الإجمالي من مستوى 12 % حاليا إلى 18 % بحلول العام 2025، يحتاج تجهيزات وخدمات وشق طرق وبنية تحتية قادرة على جذب السياحة، بدل ترك الكثير من كنوز الآثار والمواقع السياحية عرضة للإهمال، وأحيانا التخريب.
وحلقات التسويق السياحي يجب أن تستهدف الإنسان، فتكون أولويتها تشغيل المزيد من الأردنيين في هذا القطاع الحيوي. ووجود عاطلين عن العمل بنسبة 85 % بين صفوف الأدلاء السياحيين يشير إلى أزمة كبيرة تستوجب حلولا تساعد هؤلاء في الانخراط ضمن النشاط الترويجي السياحي، بعد أن عانوا الكثير في السنوات الخمس الأخيرة.
بسبب الاستقرار والأمن اللذين ينعم بهما الأردن، فإن الفرصة متاحة اليوم لإيجاد موطئ قدم لقطاع السياحة، وإعادة تشغيل العمالة الوطنية في هذا المجال بعد سنوات من الركود. والمسألة هنا لا تخص الحكومة أو وزارة السياحة تحديداً، بل هي همّ وطني يشمل الجميع. فالأعمال الدرامية، والتغطيات الإعلامية، والمدارس والجامعات، وقبلها مؤسسات القطاع الخاص والمستشفيات والمنتجعات وغيرها، معنية بالعمل ضمن فريق واحد لترويج البلاد سياحيا، والدفاع عن هذه المصلحة الاقتصادية، حتى تعم الفائدة. ولا ينفع والحالة هذه أن يضع أي من هذه الأطراف تشوها في الصورة العامة؛ كاستغلال سائح أو المبالغة في فاتورة مريض عربي، وبما يضر بالمحصلة صورة السياحة داخليا وخارجيا.
()