انتخابات 2016: إطلاق الجدل العام وإدارته
![انتخابات 2016: إطلاق الجدل العام وإدارته انتخابات 2016: إطلاق الجدل العام وإدارته](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/9b9506c9732845cf45c9f7ad5abdd5b3.jpg)
هناك فرصة كبيرة للإصلاح؛ بما هو التأثير في الأسواق والسياسات العامة، في اتجاه تحسين حياة المواطنين وتطوير الاقتصادات الوطنية من غير كلفة سياسية أو مالية. فلا نحتاج لأجل ذلك سوى إعادة توجيه الجدل العام إلى القضايا والأولويات الحقيقية والأساسية، وإلى وعي مجتمعي بهذه الأولويات. لكنه مطلب على بداهته وبساطته، يبدو بعيد المنال، لسببين اثنين على الأقل.
الأول، نجاح التواطؤ "الأوليغاركي" مع التيارات الأيديولوجية (بمختلف اتجاهاتها ومحتوياتها) في تغييب المواطنين والمجتمعات عن المشاركة والتأثير في السياسات والتشريعات المتصلة بولايتهم على الموارد العامة وإدارتها وتنظيمها، وإشغال المواطنين والمجتمعات بقضايا أخرى بعيدة عن المحتوى الطبيعي للجدل السياسي والوطني، أو المفترض ألا تزيد نسبتها على عشرين في المائة من اهتمامات الدول والمجتمعات، ولكنها قضايا وسياسات اكتسبت برغم ذلك صلابة وتماسكا. وفي ذلك حدثت متوالية من الفشل والاختلالات.
أما السبب الثاني، فيتمثل في أنه في صعود الأيديولوجيا الدينية، متفاعلة مع الصراعات السياسية والانتخابات النيابية العامة، تحول الخطاب الذي هو موجّه للفرد ابتداءً، إلى نظام اجتماعي وسياسي عام. وجاء ذلك منسجما مع النظام الاجتماعي الذي سحق الفرد؛ فلا الخطاب الاجتماعي، بما هو فردي في أصله ومنشئه، يصلح للمجتمعات؛ ولا المجتمعات قادرة بهذا النظام المعكوس وبإلغاء الفردية، على بناء وعي بمصالحها وأولوياتها، وتنظيم اجتماعي حول هذه المصالح والأولويات.
إلى أي مدى تملك المدن والمصالح والأعمال والمجتمعات الفرصة لتطوير حياتها العامة والسياسية؛ وماذا تحتاج لأجل ذلك؟ كيف يمكن توظيف الحماسة والاندفاع اللذين ظهرا في "الربيع العربي"، في تشكّل اجتماعي يؤثر إيجاباً في السياسة والأسواق؟ هل، وكيف يمكن أن يتحوّل المتديّنون والمتحمسون عموماً إلى حراك اجتماعي وسياسي يتقدّم بالحماسة نفسها وبلا حاجة الى الصراع والكراهية، نحو العدالة والكفاءة في إدارة الموارد العامة والفرص والإنفاق والتوزيع؛ وأن يتجادل المتدينون والمحافظون والعلمانيون والليبراليون واليساريون والعابرون في مواقفهم وأفكارهم للوطن، حول تطوير وتنظيم الموارد العامة والحريات والعدالة والضرائب والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والتكامل الاجتماعي والارتقاء بالثقافة والفنون، وحدود وتنظيم العلاقة بين الدولة والدين والفرد والمجتمع والأسواق، وعلى نحو تطبيقي وإجرائي، ينقسم الناخبون بشأنها حسب الاتجاهات الممكنة وتعبير المرشحين عنها؟
يمكن، في جميع الأحوال ومن غير كلفة أو صعوبة، أن نبدأ بزيادة دور البلديات والمجتمعات ومشاركتها في إدارة الخدمات الأساسية وتنظيمها، وبناء شبكات مجتمعية، وتحسين فرص تشكيل قيادات اجتماعية تنشئ الإطار المؤسسي والاجتماعي للجدل العام!
ويمكن أن تتحول العمليات الانتخابية إلى وعي المواطنين بدوائرهم الانتخابية وفق مؤشرات ومعايير محددة وواضحة، تفضي إلى اتجاهات للتحرك لأجلها والتنافس حولها في الانتخابات. وفي مرحلة اللامركزية المفترض أن تدخل فيها البلاد، فإن مسؤوليات جديدة يفترض إسنادها إلى المجتمعات، ولا يكفي لتحقيقها انتخاب مجلس للمحافظة!
المجتمعات في هذه المرحلة شريك أساسي يجب ألا يقل تأثيرا عن السلطة والأسواق، وأن يكون قادرا على امتلاك موارده ومؤسساته المؤثرة في السياسات والتشريع، والمؤهلة لإدارة قطاع واسع من الأعمال والخدمات والمصالح المستقلة عن السلطة والشركات، كما أن يكون قادرا أيضا على توظيف وتشغيل نسبة لا تقل عن ربع القوى العاملة.
(الغد 2016-04-30)