صفر فائدة!
تبدو السياسات الرسمية غامضة جدا، وبحاجة الى استبصار من نوع آخر، فذات الدولة التي تشكو وتتذمر من تدفق الاشقاء السوريين، هي ذات الدولة التي تحاول استدرار العطف الدولي لدعم الاقتصاد، لمواجهة هذه الاعباء، وهي ذات الدولة التي برغم شح المساعدات، لا تقوم بإغلاق الحدود، كليا. هناك سر غير مفهوم، ولا يمكن ان يتم اقناعنا ان استمرار ادخال الاشقاء، يأتي لغايات انسانية فقط، او تلبية للقوانين الدولية والاتفاقات، فهناك دول اخرى ادارت وجهها لهذه الاتفاقات والقوانين، وابرزها لبنان والعراق وربما تركيا في حالات كثيرة، وتعاملت مع الامر وفقا لحساباتها، بل ان هناك دولا قايضت على اللاجئين السوريين، مثل تركيا، وقبضت ثمن ادارة ملف هجرتهم اليها، او الى اوروبا، فمصائب قوم عند قوم منافع. عندنا تم تشكيل انطباع سيىء جدا، وغير مناسب، هذا الانطباع يقول، اننا سوف نستقبل المزيد من الاشقاء، مادامت هناك وعود بالدفع المالي، وهذا الربط غير لائق، لان الكل يعرف ان المساعدات قليلة وتتناقص يوما بعد يوم. سألت السفير البريطاني في عمان، في مكتبه قبل اسابيع، وقلت له هل يعتبر من موقعه، ان الاردن انتصر في مؤتمر لندن، وحصل على ما يساعده فعليا لمواجهة ازمة اللجوء، من الناحية المالية، فأكد لي بما معناه ان الاردن انتصر، وحصل على مراده؟!. هذا رأي السفير، وهو رأي دبلوماسي في نهاية المطاف، ولا يمكن اصلا ان يقول عكس ذلك، فالمؤتمر نهاية المطاف جرى في بلاده، ولا يمكن ان يقلل من نتائجه الفعلية. لكننا نسأل حكومتنا ووزارة التخطيط حصرا، التي بشرت بالمساعدات من انواع مختلفة، ونحن نرى مصاعب الاقتصاد الاردني، ووصوله الى الحافة، باعتراف الرسميين، عما تم تنفيذه فعليا من وعود لندن، التي تم بيعها للرأي العام، من قصة القروض دون فوائد، التي تمت تسميتها بقروض»صفر فائدة» وصولا الى بقية المشاريع، وأثر كل هذا على الاقتصاد الكلي، اذ هناك شعور عام، اننا كلما حصلنا على مليون دولار، تتعمد السياسات الرسمية اغراق البلد بمزيد من الاشقاء، بما يعني اننا لا يمكن ان نتوازن اقتصاديا في هذا الملف، فقد باتت الازمة السورية، ازمة اردنية، بما تعنيه الكلمة، ولتقل لنا وزارة التخطيط عما جرى فعليا في هذا الملف، والسؤال مفرود على بساط الاستفسار، وليس الانتقاص، لكننا نريد الدليل على نجاعة هذه السياسات. مناسبة الكلام هنا، ليس التحريض على الاشقاء الهاربين بعرضهم ودمهم، فلهم روحنا وعيوننا، لكننا نتحدث عن سوء ادارة للازمة السورية، بنسختها الاردنية، اذ هناك عشرات الالاف من السوريين عند الحدود ويتم منعهم لدواع امنية تفهمها الجهات المختصة، ومقابل هذا المنع ينتقل اشقاء من حلب المجاورة لتركيا، الى الحدود الاردنية، باعتبار ان انقرة تريد منع موجات الهجرة الى اوروبا مقابل ثمن معلوم، فيما نحن نستقبل من كل المناطق السورية، بما فيها المناطق البعيدة، وكأن هناك قوى في الثورة السورية تعمل مع جهات مجهولة، تحض الناس وتحركهم وتريد تسييلهم باتجاه الاردن، لغايات اقلها زيادة ارهاق الاردن وانهاكه على اكثر من مستوى، بل لربما جهات في النظام تسهل انتقال اللاجئين الى الاردن، للثأر من الاردن، باعتباره شريكا في صناعة الازمة السورية، وفقا لرؤيتهم، او اعتقادهم. كلما نقرأ معلومة عن تدفق المزيد من الاشقاء السوريين، نأسف على اوضاعهم، ونشعر بالاسى لهذا الحال، لكننا نشعر بالمرارة ايضا اذ نرى الاردن مثل سفينة تتخاطفها الامواج والرياح العاتية، فلا نرى الا ضغطا اقتصاديا يأخذ البلد الى الوضع الاصعب، مثلما نقر ان هناك خللا في ادارة ملف الازمة السورية، اذ يبدو ان الاردن سيبقى مفتوحا، والسياسات الحكومية تهرب باتجاه طلب مزيد من المساعدات، وهي لا تأتي الا قليلا، فيبدو أن الاردن عالق في وضع غريب.
(الدستور 2016-05-08)