عـــن أوغــلــو وأردوغـــان

تم نشره الأحد 08 أيّار / مايو 2016 01:18 صباحاً
عـــن أوغــلــو وأردوغـــان
ياسر الزعاترة

شخصيا لم يكن لدي شك في أن لحظة الفراق بين أوغلو وأردوغان كانت قادمة، فسياسة الرأسين لم تنجح يوما، حتى حين يكون أحدهما ضعيفا، وفي زمن ليس بعيدا نتذكر الترابي والبشير، وحيث لم يكن الأخير سوى ضابط مغمور جاء به الترابي، لكنه ما لبث أن تمرد عليه. وحين كان علي عثمان طه هو شريكه في التآمر على الترابي، توقعنا الفراق بينه وبين البشير أيضا؛ وهو ما كان. حتى في عوالم الانقلابات، ما يلبث الانقلابي أن يشرع في التخلص ممن ساعدوه تباعا، وفي منظومة أي حكم جديد، غالبا ما يقوم الحاكم الجديد بالتخلص من كبار العهد السابق بالتدريج، كي لا يبقى متفضلا عليه. إنه منطق الحكم والحكام. وقد يشير البعض إلى نجاح ما لنظام الرأسين في روسيا، بين بوتين وميديفيدف، لكن ذلك لم يكن إلا لأن الأخير بالغ الضعف، في مواجهة ضابط مخابرات دموي لا يتسامح مع معارضيه، فضلا عمن كان صنيعته. في تركيا؛ وهي ديمقراطية وليست انقلابا ولا وراثة (لكل حالة خصوصيتها)، كان نظام الرأسين واضحا؛ بين رئيس لا يريد الاكتفاء بما يمنحه له الدستور، وبين رئيس وزراء من العبث القول إنه ضعيف، حتى لو كان مؤدبا وهادئا، فالرجل ليس طارئا على السياسة، وهو تدرج فيها حتى أصبح رئيسا للحزب ورئيسا للوزراء بقدراته وثقافته قبل أي شيء آخر، ومن الطبيعي أن يرفض سياسة الرأسين، بخاصة في لحظات توتر كبير تستدعي قرارات مهمة. كثيرة هي الملفات التي يمكن الإشارة إليها كسبب للخلاف بين الرجلين، لكن أهمها دون شك يتمثل في إصرار أردوغان على تغيير دستوري يحوّل نظام البلاد إلى رئاسي، ولا يأتي رفض أوغلو لذلك من منظور الخوف على سلطاته الشخصية كما ذهب كثيرون، بل لأنه يعتقد أن الوقت غير ملائم، وقد أدرك، وهو محق في ذلك أن تهميش هذا الأمر في الانتخابات الأخيرة هو الذي منح الحزب فرصة الفوز، بعد التراجع الذي سجله في الانتخابات التي سبقتها بسبب التركيز عليه، وقد ثبت أن هناك في تركيا قدر كبير من الرفض لمدرسة “السلطان”، وهو أمر طبيعي في بلد منقسم، سيبقى ما يقرب من نصف الشعب ضد قيادته، ولو جعل من البلاد أكثر ازدهارا من سويسرا، وهنا نذكّر بأن الجزء الأكبر من فضل الفوز في الانتخابات الأخيرة كان يعود لأوغلو. بعد هذا الملف؛ ثمة تفاصيل كثيرة في التعاطي مع الشأن الداخلي والخارجي، من بينها تشديد قبضة الأمن والحد من الحريات التي مال إليها أردوغان، وهناك بعض ملفات السياسة الخارجية، ومنها أن أوغلو لا يميل إلى سياسة التصعيد في أي اتجاه، فضلا عن أن يكون تصعيدا كلاميا مجانيا يأتي بالضرر دون فائدة، كما هو حال تصعيد أردوغان ضد نظام السيسي، في ظل دعم استثنائي للانقلاب من سائر القوى الدولية، وقد كان يكفيه الرفض الأولي، وها إن تصعيده ذاك يفضي إلى تفاهمات مع عدو أسوأ، هو الكيان الصهيوني. لم يعد من المهم على كل حال البحث في جذور الخلاف، فقد استقال الرجل، وسجل موقفا غاية في الأخلاق والنبل، رغم أن تلميحات أردوغان حياله لم تكن مريحة، وهو حفظ الود، وحافظ على الحزب ومصلحة البلاد، وقبل بالانسحاب، والأمل أن يؤدي ذلك إلى الحفاظ على تماسك الحزب، كما أن الأمل الأكبر أن يشكل ذلك درسا لأردوغان، بأن يكف عن سياسة التفرد مع خليفة أوغلو ومع قيادة الحزب، وإلا فإن الأزمات ستتواصل، ووضع تركيا لا يسمح بالمزيد منها.

(الدستور 2016-05-08)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات