تعميم أمني!
في التقديرات ان هناك اكثر من مئتي الف شخص مطلوبين للجهات الامنية، جراء وجود احكام صادرة بحقهم، او ملاحقات، او قضايا في المحاكم، وهذا بحد ذاته عبء كبير جدا. اللافت للانتباه هنا، ان التشريعات تسمح للجهات الرسمية بالتعميم على شخص مطلوب على خلفية قضية بعشرين دينارا، مثل المطلوب على قضية مخدرات او قتل، وهذا يفرض على الجهات المختصة اعادة مراجعة كل هذه الطريقة، فلا يعقل ان يعود من المطار من كان مطلوبا على قضية بسيطة، مثل المطلوب على قضية تفجير او قتل او احتيال كبيرة. القصة لا تتعلق بالمطارات وحسب، بل بالسجون، ومن فيها، والاعباء على التنفيذ القضائي، وجهات اخرى، فلماذا تكون الملاحقة صماء، ولا يعرف الذي ينفذ القانون، تهمة المطلوب، اذ لا يعرف سوى انه مطلوب فقط، وفي حالات كثيرة لا يعرف ذات المطلوب ان اسمه معمم، لانه لم يتأكد من التنفيذ القضائي، ولانه ايضا، لم يتوقع ان تتم ملاحقته بهذه الطريقة، عبر تعميم اسمه، من اجل مبلغ مالي متواضع جدا. لاننا امام وضع اقتصادي غير مسبوق، فعلينا ان نتوقع يوما بعد يوم، ان ينضم الالاف الى قائمة المطلوبين امنيا، فالقضايا المالية تنهمر مثل المطر، ونحن لا ندعو لاضاعة حقوق المطالبين بأموالهم، لكننا نحض بشكل واضح على اعادة التعامل مع القضايا المالية، تحديدا، سواء في التشريعات، او في التوقيف، او الملاحقة، وتصنيف هذه القضايا، بما لا يجعل المطلوب على قضية بسيطة، تحت التعميم، مثل المحتال بمليون دينار. اين هي المرونة التي تجعلنا نستعمل ذات الوسائل برغم الانهيارات في قطاعات مالية، وعجز كثرة عن دفع التزاماتهم، فالاردن اليوم، نصفان، نصف مطلوب ونصف طالب، نصف دائن، ونصف مدين، والارجح اننا سوف نشهد اختلالات اكثر، ولن تكفي السجون الحالية، للمطلوبين. لربما يقال هنا، ان الجهات الرسمية لا تتمنى في باطنها ان يسلم كل مطلوب نفسه للجهات الرسمية، لان السجون لا تكفي مئتي الف شخص، وهي تفيض ببضعة الاف فقط. لقد آن الاوان، ان تنصت الجهات الرسمية الى هذا الكلام، فقد قيل مرارا، ولا ابداع ولا ابتكار، في هذا الملف، حتى الان، فأسهل الحلول التعميم، وانتظار سقوط الشخص، حتى لو كان محامي خصمه قد طلب توقيفه من اجل فاتورة هاتف، او مطالبة عادية، وقد اثير الموضوع مرارا بقلم زملاء، وهو يستحق الاثارة، مجددا، امام هول عدد المطلوبين امنيا، وزيادة عددهم يوما بعد يوم. القصة لا تعني التساهل بحقوق الاخرين، لكنها تعني حصرا، التصرف بمنطق، من حيث انواع القضايا، وقيمة المبالغ المالية، هذا فوق ان كثرة تصبح مطلوبة امنيا وهي لا تعرف، لان هناك من اعطى عنوانا خاطئا، بشكل متعمد، للذي تم رفع القضية عليه، لغايات التعميم عليه، وسجنه، من باب اهانته، على امر عادي، وقد اشتكى كثيرون من هذا الفخ، وهذه قصة اخرى بحد ذاتها بحاجة الى نقاش واسع.
(الدستور 2016-05-09)