سقف التوقّعات: بين الورق والواقع!
أنهت الحكومة مشروع قانون صندوق الاستثمار، ودفعت به إلى مجلس النواب بهدف إقراره، ما غلّب أحد احتمالين؛ الأول، تمديد الدورة البرلمانية العادية الحالية، والثاني عقد دورة استثنائية. لكن أيّاً من الاحتمالين يفترض إقرار القانون قبل عقد مجلس التنسيق الأردني السعودي في نهاية الشهر الحالي.
الواضح من مسارعة الحكومة في إقرار مشروع القانون، وتحديد موعد اجتماع مجلس التنسيق المشترك، وكذلك من طبيعة المواقع العليا التي يضمها مجلس التنسيق من الأردن والسعودية، أنّ هناك توجّهات جديّة وحقيقية من قبل الدولتين للمضي خطوات نوعية للأمام على صعيد العلاقات الثنائية، بما يخلق إطاراً مؤسسياً غير مسبوق تاريخياً بينهما.
مجلس التنسيق يتجاوز البعد الاقتصادي تماماً، ليأخذ جوانب سياسية وأمنية وإدارية. وهو مماثل بدرجة كبيرة لسلسلة الخطوات التي أقامتها السعودية مع كلّ من تركيا ومصر ودول أخرى، بهدف تمتين تحالفاتها الإقليمية. لكنّه في الحالة الأردنية يأتي بعد لحظة من "الغموض" طغت على علاقة الدولتين، منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في الرياض، بخاصة فيما يتعلّق بالسياسات الخارجية، ما أعطى زيارات ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى المملكة، أهمية استثنائية في إزالة هذا الغموض وإعادة العلاقة إلى سكّة التحالف الاستراتيجي.
لذلك، فإن وجود مجلس التنسيق، وفق مصادر مطّلعة بعمق، يهدف أيضاً إلى مأسسة العلاقات الأردنية-السعودية، وتوسيع دائرة الشراكة، كي لا تكون مقتصرة على "قمّة الدولتين"، وتنزل إلى البناء البيروقراطي والوزاري. إذ كانت نقطة ضعف الأردن في السعودية أنّ هناك محدودية في العلاقات البينية البيروقراطية والإدارية والحكومية.
مشروع صندوق الاستثمار يمثّل نقطة تحوّل حتى في التفكير الاستراتيجي الأردني تجاه دول الخليج؛ إذ كان التركيز سابقاً على جذب الاستثمارات الخليجية والعربية والغربية، لكن تبين مع مرور الوقت أنّ البحث عن الاستثمار في ظل الظروف الإقليمية ومحدودية السوق الأردنية والمنافع الاقتصادية المترتبة عليه، هو استراتيجية لن تجدي، فجرى التحول إلى ربط الدور الإقليمي الأردني بالجانب الاقتصادي، عبر التوجه إلى الصناديق السيادية الخليجية، لما تتوافر عليه من وفر مالي كبير، ولارتباطها بالقرارات السياسية بدرجة موازية للمنافع الاقتصادية.
بالتأكيد هناك مطالب أردنية من الأشقاء في الخليج بدعم مالي مباشر، لسد العجز في الموازنة، وتأمين الالتزامات الضرورية الآنية، ولمواجهة تحمل أعباء اللجوء السوري. لكن المطالب الأردنية تتجاوز الآني إلى الاستثماري، لخلق فرص العمل، ومواجهة معضلتي البطالة والفقر، وهما الأمر الذي أنتج فكرة صندوق الاستثمار الجديد.
كل ذلك هو من الناحية النظرية، وقد نجح الأردن فيه. ويمثل مجلس التنسيق ومشروع القانون الجديد ذروة هذا التحول الاستراتيجي في التفكير الأردني. لكن في نهاية اليوم، ما سننظر إليه ليس خطط عمل واجتماعات وقوانين، بل هو الفاكهة الحقيقية والعوائد الواقعية على الاقتصاد الأردني، سواء على صعيد انتظار المساعدات المالية العاجلة، أو استثمارات الصناديق السيادية الخليجية، والسعودية على وجه التحديد.
ثمة سقوف مرتفعة جداً للتوقعات الاقتصادية والشعبية. لكن الاستثمارات السعودية لن تأتي لتلقي المال في الأرض وترحل، كما يقول أحدهم؛ فهي أيضاً مرتبطة بدرجة كبيرة بحسابات اقتصادية، وهناك جهود مستمرة منذ الزيارة الأولى لولي ولي العهد السعودي أنتجت خطة سعودية لتنمية مدينة العقبة، ولتفعيل اتفاقية شراء اليورانيوم الأردني. وهي مبدئياً مشاريع مهمة، لكنّها تتطلب وقتاً أطول. وثمّة أفكار أردنية فيما يخص البنية التحتية، بخاصة في النقل.
على الورق، الأمور باتجاه صحيح. والورق نفسه قال الشيء نفسه عن مخرجات مؤتمر لندن الأخير. لكن ما يأمله المواطن هو أن تنقل الحكومة الحالية أو المقبلة، هذه الطموحات والتوقعات الكبيرة إلى الواقع، وألا يكون الواقع خيبة كبيرة!
(الغد 2016-05-09)