الثورة العربية و«العثمانية الجديدة» !!
التاريخ لا يعيد نفسه ، ولكن بعض الوقائع تتشابه في مراحل تاريخية معينة. قبل مائة عام ، وبالذات في العام 1916 كانت تركية محور التحولات في المنطقة ، حيث واجهت ثورة عربية كبرى في بلاد الشام ، بسبب سياسة التتريك والقمع والتعسف وفرض اعما السخرة والتجنيد الاجباري التمييز ضد العرب ، في زمن النهوض القومي الذي انتشر في اوروبا بالنصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وهي الحركة التي انتقلت الى بلاد الشام ، عبر مشروع نهضوي عربي قاده الشريف الحسين بن علي ، والذي رافق ظهور عدد من المفكرين العرب في بلاد الشام ومصر وبلاد المغرب العربي.
وفي السادس من ايار من ذلك العام ، أي قبل مائة عام يالتمام والكمال ، نصب الحاكم العسكري التركي في بلاد الشام جمال باشا ، اعواد المشانق في ساحة المرجة بدمشق وفي ساحة البرج ببيروت ، حيث اعدم كوكبة من الناشطين السياسين الوطنيين العرب ، فاستحق عن جدارة لقب السفاح. وكان بين موكب الشهداء الذين اعدموا بامر جمال باشا: سليم عبد الهادي من عرابة ، محمد الشنطي من يافا ، وعلي النشاشيبي من القدس.
وقد تكون هذه الاعدامات في مقدمة الاسباب التي عجلت بانطلاق الثورة العربية الكبرى من مكة. فالثابت تاريخيا أن الشريف الحسين بن علي قد ابرق في حينه الى جمال باشا في دمشق طلب منه عدم تنفيذ حكم الاعدام بهذه المجموعة من الناشطين العرب ، ومحذرا بان الدم يجر الدم ، كذلك ارسل له الامير فيصل فالتقاه اكثر من مرة بهدف وقف عمليات الاعدام ، الا ان جمال باشا اصرّ على اعدامهم ، وكان قد سبقهم رفاق لهم تم اعدامهم في فترات سابقة.
وقبل مضي أقل من شهر واحد ، وبالذات في فجر يوم الثاني من حزيران، اطلق الشريف الحسين بن علي طلقة واحدة من بندقيته ، معلنا الثورة الكبرى لخلاص العرب من حكم وجبروت الدولة العثمانية التي انفرد بالسلطة فيها الاتحاديون والطورانيون المتعصبون للقومية التركية وثقافتها ، والداعون لتطبيق سياسة التتريك.
واليوم ، وبعد مئة عام ، تحدث وقانع تاريخية مماثلة في المنطقة ، تشكل العثمانية الجديدة محورا مهما فيها على الصعيدين الداخلي والخارجي. في الداخل تواجه تركيا أزمات عديدة ، اولها ازمة داخل الحزب الحاكم ، والخلاف الناشب بين رئيس الحزب والحكومة وبين اردوغان ، وهو الخلاف الذي اطاح بداود اوغلو رلائيس حزب « العدالة والتنمية « ومهندس السياسة الخارجية لتركيا ، والذي اعتبره البعض بمثابة « انقلاب داخل قصر السلطان « ، لأن اردوغان ير يد تعديل الدستور بحيث يمنح نفسه ، عبر منصبه ، المزيد من السطوة والسلطة وصلاحيات السلطان.
وفي سلسلة الازمات الداخلية ايضا ، حدوث الفوضى وانتشار العنف ، والاشتباك مع مسلحي وانصار حزب العمال الكردي ، وقمع المعارضة النيابية والسياسية ، والتضييق على الحريات العامة وفي مقدمنتها حرية التعبير. كل ذلك القى بظلاله على الوضع قطاع السياحة والوضع الاقتصادي الذي شهد بعض التراجع.
وتوجه تركيا سلسلة من الازمات الخارجية أيضا ، أولها مع مصر بسبب التدخل بالشؤون الداخلية في هذا البلد العربي الكبير ، ودعم الاخوان المسلمين والتحريض على العنف. وكذلك التدخل في الصراع المسلح في سوريا ، ودعم التنظيمات الارهابية عسكريا واعلاميا ، وفتح الحدود امام تدفق المسلحين المتطرفين الى الاراضي السورية ، ولعب دور كبير لافشال الحل السياسي ، وربما وجدت في الحرب الاهلية السورية ، والتدخل الخارجي السافر ، ما فتح شهيتها ، واعاد احياء الاحلام والاطماع الجغرافية والتاريخية التركية في بلاد الشام ، في ظل ظهور العثمانية الجديدة بقيادة اردوغان. يضاف الى هذه الوقائع والتفاصيل ، ممارسة انقرة عمليات الابتزاز ضد دول الاتحاد الاوروبي عبر ارسال المزيد من اللاجئين الى اوروبا.
في النهاية نرى أن تركيا ، بعد مضي مائة عام ، تعيش ماضيها المشابه ، خصوصا في ظل حكم الحزب الواحد والرئيس الواحد الذي بسعى الى الانفراد بالسلطة. كما نراها دولة مازومة ، وان كان من المبكر القول انها «رجل اوروبا المريض».
(الرأي 2016-05-09)