شامخا يمضي الشيخ إلى وجبة أسـر جديدة
وسط حشد من إخوته ومحبيه ومريديه من أبناء الأراضي المحتلة عام 48، مضى الشيخ رائد صلاح إلى السجن للمرة الخامسة، وهذه المرة ليقضي حكما بتسعة شهور. بابتسامته الجميلة، ووصاياه لأحبته بأن يحملوا الأقصى والقدس أمانة في أعناقهم مضى الشيخ؛ يذل بمواقفه الغزاة. قال لهم: السجن أحب إلي مما تدعونني إليه، فلن نقيل ولن نستقيل، وسنحمل أمانة الدفاع عن القدس والأقصى، ما بقي فينا عرق ينبض. بعد شهور من حظر حركته الإسلامية، يدخل الشيخ رائد صلاح إلى السجن، ساخرا من الغزاة وجبروتهم، ومعلنا أن المسيرة ماضية، به أو بأحبته الذين يحملون العهد، ولا يتوقفون عن الدفاع عن وطنهم ومدينتهم المقدسة، ويعلنون الجاهزية لدفع الثمن أيا كان. على خلفية مواقفه البطولية وبساطته ورجولته؛ تنحاز جماهير الأمة إليه، ومعه إلى قضية المسجد الأقصى التي يعمل من أجلها ليل نهار، بينما يشعر الصهاينة بالغيظ والقهر من هذا الرجل الذي يعطل؛ ما وسعه الجهد مخططاتهم الشيطانية للسيطرة على الحرم ومن ثم بناء الهيكل مكانه. الأكيد أن حقد الصهاينة على الشيخ إنما ينبع بشكل أساسي من حراسته للمقدسات وفي مقدمتها الأقصى، ووقوفه في وجه مخططات تهويده وهدمه وبناء الهيكل على أنقاضه، والتي تحظى بإجماع في الأوساط الصهيونية التي تردد في السر والعلن مقولة بن غوريون “لا معنى لـ”إسرائيل” بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل”. لكن ذلك ليس كل شيء في واقع الحال، فالشيخ لم يحرس الأقصى فقط، بل حرس الذاكرة الجمعية لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48، ومن يعرف ما كان عليه الحال في السبعينيات، مقارنة بما عليه اليوم، يدرك أي جهد رائع بذله في مواجهة سياسة “الأسرلة” التي اتبعتها سلطات الاحتلال وكانت على وشك النجاح لولا ظهور الحركة الإسلامية وتجذر فكرها وحضورها تحت قيادته الربانية. لقد ثبّت الشيخ وحركته إلى جانب قوىً أخرى الهوية الفلسطينية والعربية والإسلامية لمواطني الأراضي المحتلة عام 48، كما أعادهم إلى قضيتهم بعدما ضيعتهم سياسات منظمة التحرير إثر اعترافها بالقرارات الدولية. وبرفضه دخول الكنيست كان الشيخ يوجه صفعة أخرى للاحتلال، لأن الدلالة لا تخفى عليهم، فهنا ثمة دولة احتلال لا يعترف بها الشيخ وأنصاره، ولا يمكن أن يعترفوا بها، وقد ثبت عمليا أن المفاسد التي ترتبت على دخول العرب للكنيست كانت أكبر من المصالح المحدودة التي تحققت. إلى جانب ذلك كله كان الشيخ يقف بكل إباء إلى جانب إخوانه في حركة حماس وتيار المقاومة برمته، يمدهم بما تيسر من أسباب الدعم، الأمر الذي كان سببا آخر من أسباب استهدافه وحركته أيضا، وصولا إلى حظرها. داخل السجن كان أم خارجه، سيظل الشيخ رائد صلاح شوكة في حلوق الغزاة، وستظل صرخاته “الأقصى في خطر، القدس في خطر”، “إنا باقون، ما بقي الزعتر والزيتون”، ستظل ترهق أسماعهم وتقض مضاجعهم، لا سيما أنها تجد صداها في قلوب وعقول، ومن ثم وسواعد مئات الآلاف من الرجال الذين لن يخذلوا شيخهم، ولن يخذلوا الراية التي رفعها مهما كانت الظروف. لحارس الأقصى، وسنديانة فلسطين الشامخة سلام. ستخرج من جديد سيدي، وستطلق صيحاتك كما فعلت دائما في وجوه القتلة، وفي غيابك، سيحمل الرجال الرسالة دون خوف ولا وجل، بل سيكونون أكثر وفاءً لها بإذن الله.
(الدستور 2016-05-09)