الانقراض المعنوي والابادة البيضاء !!
الانقراض ببعديه العضوي والمعنوي هو حصيلة الفشل في التأقلم، سواء مع مجرى التاريخ او تحولات الطبيعة، وكذلك الابادة، فهي لم تعد عضوية اداتها السلاح فقط، وهناك ابادات يمكن وصفها بالسلميّة رغم غرابة هذا الوصف، لأنها تحدث دون اراقة قطرة دم، ومثالها المتكرر في التاريخ هو ما اشار اليه كل من المفكر الجزائري مالك بن نبي والمفكر الافريقي د . فرانز فانون الذي كرّس حياته القصيرة للثورة الجزائرية .
ما قاله الاثنان على اختلاف الاسلوب هو ان الاستعمار عندما يرحل يترك وراءه ظلالا واصداء، منها الفكرة التي يشكلها ضحاياه عن انفسهم، فهي من صناعته وهذا ما يسمى استلاب الوعي او الاغتراب، بحيث يصبح الانسان عدو نفسه وهو لا يدري، لأنه يتقمص الصورة المشوهة التي رسمها المستعمر له عن ذاته فيصدق الاطروحات العنصرية والعرقية التي انهى التاريخ والعلم صلاحيتها، وهي اطروحات تجنّت على العلم عندما تذرّعت به، كأن يكون هناك شعب قاصر ومحروم من سن الرشد او ان هناك دما ازرق ودما رمادي او اسود !
وقد ظلم الديناصور وسائر السلالة المنقرضة عندما توقف فهم الانقراض عند المستوى البيولوجي فقط لأن هناك هويات تلاشت وكيانات تعرضت للابادة، واذا عرفنا ان آلاف اللغات قد انقرضت خلال العقود الماضية دفعت الناطقين بأكثر اللغات حيوية وانتشارا في النطاق الفرانكفوني وهم الفرنسيون الى اعادة النظر في لغتهم والسهر عليها من اجل تطويرها بحيث تلبي حاجات العصر .
والثقافة العربية على ما يبدو بحاجة الى التعامل مع مفاهيم غير كلاسيكية ومنها الانقراض المعنوي والابادة البيضاء او السلمية، لأن من ادخلوا الى الالفية الثالثة على نقالات او وهم يتوكأون على العكازات لا يدركون كم فاتهم وكم سيفوتهم ايضا بحيث يجدون انفسهم على الهامش وخارج التقاويم.
واذا كان الديناصور قد انقرض جسديا فإن هناك بشرا عرضة لانقراض معنوي يبدأ من قضم الهوية !!
(الدستور 2016-05-10)