لبنان: عندما يُدير الشعب ظهره لـِ«السياسيين»!
انتهت الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية (مخاتير الاحياء والزواريب) التي جرت في محافظتي بيروت وبعلبك – الهرمل، وجاءت النتائج التي لم تُعلَن رسمياً حتى ظهر يوم امس.. وِفق التوقعات, وإن كانت بعض تلك التوقعات مضت الى احتمال حدوث اختراق «جزئي» لبعض اللوائح التقليدية التي شكّلتها احزاب وقوى سياسية كان العداء وما يزال, هو السمة الرئيسة في علاقاتها، لكن تحالفات الانتخابات بلدية كانت ام على المخترة (وما ادراك ما اهمية المختار في لبنان حتى الآن) تُجافي المنطق السياسي والحزبي، كون ما يجري في بلاد الارز لا يسير وفق المألوف السياسي والتحالفات المعروفة في البلاد الديمقراطية، بل يستند دائماً الى قواعد المُحاصصة المذهبية والطائفية والجِهوية التي قام عليها هذا البلد منذ نحو من سبعة عقود، وما يزال اسير تلك المعادلات، رغم ما يُقال عن حيوية شعبه وثقافته وريادته وقدرته على التعايش، وإن كان تعايشاً هشاً وعابراً، لا يلبث ان يسقط عند كل اختبار مهما كان صغيرا, الا ان الطبقة السياسية ذات الجذور العائلية الاقطاعية التي تتوارث المناصب القيادية من الجد الى الحفيد وحفيد الحفيد، خرّبت ما تبقى من المشهد اللبناني، الذي انكشف على اسوأ ما يمكن للمرء ان «لا» يتصوّر حدوثه في بلد كلبنان، سوّقه سياسيوه ورهط المُتاجِرين بموقعه وتحالفاته الدولية والاقليمية ، على انه واحة الشرق وسفيره الى «الغرب»، المُتنوِّر وعنوان الحداثة والعصرنة والديمقراطية.
اصاب الرجل الآدمي والسياسي النظيف الذي لم تُلوِثه السياسة ولا المناصب ولم يغرق في اوهام التقرُّب من زعامات مفروضة على لبنان سواء عبر دول اقليمية ام عبر البحار, وفضَّل البقاء وحيدا على ان يلتحق بكذابي الزفّة وحارقي البخور لوكلاء العواصم الاقليمية او من جاء المُستعمِر بأجدادهم وابنائهم الى سدة الحكم، كي يتحكّموا بلبنان وينهبوا ثرواته، نقول: اصاب رئيس الوزراء الاسبق د. سليم الحص، عندما قال عبارته المشهورة بان «ليس في لبنان ديمقراطية ولكن فيه حريّة». عبارة تُلخِّص ما جرى ويجري في لبنان منذ ما قبل اغتيال رفيق الحريري، قبل احد عشر عاماً حتى الآن، وبخاصة في النتائج غير الرسمية التي اظهرتها انتخابات بلدية العاصمة بيروت, حيث فازت لائحة «البيارتة» المدعومة من تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري، وان كان بالفعل فوز بطعم الهزيمة, لأن نسبة المشاركة لم تتعد الـ 20% من مجموع نصف مليون ناخب وناخبة اصحاب حق الاقتراع, رغم ان الذي قاد حملة لائحة «البيارتة» هو الحريري نفسه, الذي دخل في تحالف لافت في غرائبيته عندما تحالف مع التيار الوطني الحر الذي يتزعمه الجنرال ميشال عون المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية, الشاغر منذ نحو من عامين، دون ان يؤثر ذلك على الخلافات العميقة بينهما وبخاصة في الملف الرئاسي, ما بالك ان حليفه في اللائحة ايضاً هو سمير جعجع الذي دخل هو الآخر في تحالف مع عون أثار غضب الحريري وريبته.
ان لا يذهب ثمانون بالمئة من اهالي بيروت الى الانتخابات، رغم وجود لائحتين اخريين احداهما لاقت اهتماماً اعلامياً وجماهيريا ودعماً من مختلف مؤسسات المجتمع المدني حملت اسم «بيروت مدينتي» ضمت مثقفين ومخرجين سينمائيين وفنانين ومهنيين وناشطين بيئيين واستندت الى «التراث» الذي كرسته الاحتجاجات الشعبية المتواصلة والعابرة للطوائف التي قامت بها حركات ونشطاء المجتمع المدني ضد فساد الطبقة السياسية وخصوصاً التمديد «الثاني» لمجلس النواب (بذريعة الاوضاع الامنية المتردية) وتراكم اطنان النفايات في بيروت بعد ان اختلف «السياسيون» على الشركات ذات الصلة, العائدة ملكيتها الى بعضهم والمستفيد منها (مالياً) البعض الآخر.
يعني – ضمن امور اخرى – ان اللبنانيين «قَرِفوا» من الأوضاع البائسة التي تحيط بهم، معيشياُ وخدماتيا ومرافق عامة وغلاء الاسعار وفساد وارتفاع المديونية، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا نظافة وغذاء فاسد وطبقة سياسية تعيش في ترف وتقتسِم «الكعكة» في ما بينها, رغم ما يقال عن خلافات ومعارك جانبية على النفوذ والامتيازات. ما أظهرته الانتخابات التي سيتواصل ماراثونها في الأسابيع المقبلة جنوباً وشمالاً، هو ان لا مبرر اطلاقاً لتمديد النواب لأنفسهم «مرتين»، لأن الانتخابات البلدية جرت في أجواء أمنِية «ممتازة» ولم يعكر صفوها اي شيء، ما يعني ان التمديد قد سقط «واقعياً» ولم يعد ثمة مبرر لاستمرار النواب الجلوس في مقاعدهم.
ماذا عن رئاسة الجمهورية؟.
«ملف».. لا حيلة للبنانيين فيه ولا دور... طبقة سياسية، احزاباً و»شعوباً».. لأن عواصم الإقليم – وتلك عبر المحيطات – التي انتقلت «امومتها الحنونة» للبنان.. من باريس الى واشنطن, احتكرت هذا الملف وربطته بما يحدث في الاقليم وخصوصاً الازمة السورية..لكن الأكيد هو ان «الشعوب» اللبنانية ادارت ظهرها لكل ما يقوله «الزعماء» وفضلت الاقتراع.. بالعزوف والانضمام الى حزب «الكنبة».
(الرأي 2016-05-10)