حركة النهضة التونسية: هل تتخلى عن «الدعوي» لصالح «السياسي»؟
ثمة جدل آخذ في التصاعد والاحتدام على الساحة السياسية والحزبية التونسية، كما في دوائر حركات الاسلام السياسي وبخاصة جماعات الاخوان المسلمين في المنطقة العربية، بعد اعلان حركة النهضة التونسية، بما هي الفرع التونسي لجماعة الاخوان المسلمين, التي مرجعيتها اخوان مصر، انها في صدد التحول الى حزب سياسي عبر «تخليها الكامل» عن النشاط الدعوي الديني والتفرغ للنشاط السياسي فقط، كما اعلن زعيم الحركة والمرشد الروحي لها والقائد للحزب «الجديد» الذي لا ينافسه أحد، راشد الغنوشي, على هامش اجتماع مجلس شورى الحركة قبل أيام, مُعلِناً في زهو: ان «حركة النهضة متجددة»، وان الحزب العتيد سيتفرغ للعمل السياسي ويتخصص في الاصلاح انطلاقا من الدولة, ويترك بقية المجالات للمجتمع المدني، ليعالجها ويتعامل معها من خلال جمعياته ومنظومة الجمعيات المستقلة عن الاحزاب بما في ذلك النهضة».
قرار مجلس شورى الحركة الذي ينتظر مصادقة المؤتمر العام العاشر للنهضة والذي سيعقد في الفترة من 20-23 أيار الجاري، يبدو لافتا وباعثا على التساؤل والتأمل في الاهداف التي يتوخاها شيوخ الحركة وكوادرها؟ وما اذا كان هذا التحول الدراماتيكي (اذا ما تم تجسيده فعلا,ولم يكن مناورة او لعبة لشراء الوقت لِاستدراك التراجع الذي أصاب شعبية الحركة وبخاصة ما اظهرته الانتخابات البرلمانية الأخيرة ,التي وضعتها في المرتبة الثانية بعد حزب نداء تونس , رغم ان الحزب الاخير انقسم ودبت الخلافات بين «رؤوسه» ما أتاح للنهضة ان يغدو الحزب الاكبر في البرلمان) سيكون خطوة تأسيسية, على طريق تقديم انموذج لجماعات الاسلام السياسي وعلى رأسها الاخوان المسلمون كي ينتظموا في الاطر القانونية والدستورية للدول التي ينشطون فيها ويعملوا في السياسة ضمن قواعد اللعبة – أياً كانت – ويلتزموا المبادئ الديمقراطية وتداول السلطة، ما يعني تخليهم عن فكرة تغيير المجتمعات بالقوة والعنف واسلمة هذه المجتمعات وفق رؤيتهم وخطابهم ومرجعياتهم, التي ليست بالضرورة نقاطاً جامعة للشعوب العربية, التي هي في غالبية مسلمة, لكنه ليس اسلام الاخوان، كما نظّر له وكتب فيه وعنه, حسن البنا وخصوصاً سيد قطب وغيرهما؟.
الأسئلة الكبيرة هذه لن تجد اجوبتها في المديين القريب والمتوسط، والأمور مرهونة بمدى «النضج» السياسي لدى قادة الحركة وايمانهم الحقيقي بقواعد اللعبة الديمقراطية, وفهم المتغيرات العاصفة التي حدثت في المنطقة العربية وتأثيراتها على العالم – او تأثُرِها بالعالم – وما بات الارهاب الذي يتخذ لبوساً اسلاموياً متطرفاً، يُشكِله من خطر على صورة الاسلام والمسلمين!.
الكرة في ملعب شيوخ النهضة وكوادرها، لكن التوقف عند تصريحات رئيس مجلس شورى الحركة فتحي العيادي، يزيد من الشكوك في مدى صدقِية و»تاريخية» هذا القرار الذي ينتظر صدوره عن المؤتمر العام الوشيك للحركة ، وخصوصاً قوله: ان الحركة تريد ان تتقدم بمشروعها الاسلامي، نحو تخصص وظيفي، بمعنى تتخصص كحزب سياسي مدني ديمقراطي متأصل في هويته الاسلامية، ثم يُصعِّد في خطوة تحذيرية احسبها نقطة جوهرية ليستطرد: ان الفصل بين الدعوي والسياسي، لا يعني بالضرورة ان الحزب سيتحول عن هويته الاسلامية، الى فضاء آخر ومساحة اخرى كما يقول «البعض» وكأن الحركة ستصبح علمانية.
نحن اذاً امام قناع جديد وليس تحولاً او لحظة تأسيسية او خطوة تاريخية على ما بدأ شيوخ الحركة يتحدثون او يروج لها المريدون والمحازبون وكذابو الزفة، والاّ فان مثل هذا التمسك بالخطاب والمرجعية و»الهوية» لا يعدو كونه توزيع ادوار, حيث يكون للحركة جناحان او ذراعان, واحد يتقمص دور السياسي غير المختص (ولو شكلاً) بالدعوّي، فيما كوادرها او «منظماتها المُستقِلة» تواصل ما قامت عليه وثابرت, في الاستقطاب والترويج وتجنيد الأعضاء والمساندين.
لهذا ايضاً حذرت قوى سياسية وحزبية تونسية فاعلة وذات تأثير,من وقوع احد في وهم ان الحركة جادة وصادقة في ما انتوت فعله ووصف بعضها هذه الخطوة بأنها «خطة ذكية لا تخلو من الدهاء، تُمكّن النهضة من عدم التخلي عن مرجعيتها من جهة وتُعزِّز موقعها من جهة أخرى، وذلك عبر تركيز واجهة سياسية بـ (الخلفية العقائدية) التي تبنتها منذ العام 1991».
فيما قال آخرون: ان هوية النهضة هي «هوية دينية ليست هوية مدنية، لا يمكن ان تتجرد منها بمجرد قرار يتخذه المؤتمر القادم, لتتحول الى هوية سياسية مدنية».
النقاش والسجالات... المخاوف والشكوك, لن تغادر ساحة النقاش والجدل السياسي والحزبي على الساحة التونسية, كما ستأخذ مداها في اوساط القوى الاسلاموية وتلك العلمانية التي تقف في خنادق متقابلة، لكن مجرد اعلان النهضة انها في صدد التخلي عن الدعوي لصالح السياسي، حتى لو كانت مناورة، يدفع للتكهن بأن قوى الاسلام السياسي قد بدأت تشعر بالمآزق والمصاعب التي تواجهها، فهي ربما تهرب الى الأمام، او تحني رأسها للعاصفة او تشتري الوقت في انتظار حدوث «معجزات» او انتصار لتيار اسلاموي حتى لوكان داعش اوجبهة النصرة, في احدى الدول العربية او الاسلامية ,ما داموا مطمئنين الى ان السلطان العثماني الجديد في انقرة, ما يزال يرعى هذه الجماعات ويرفع ذراعه اليُمنى بشعار...رابعة.
(الرأي 2016-05-11)